مقالات

أردوغان ومحاولة التشكيك في دلالة نجاحه

أبو يعرب المرزوقي
ما الذي سيقض مضاجع أعداء اردوغان؟
بخلاف ما يتوقع الكثير ليس نجاحه فحسب بل أمور أخرى تحول دون كل مهاربهم في محاولة التشكيك في دلالة نجاحه. أعظم ما كان سيعزي أعداء اردوغان في الداخل والخارج على حد سواء يعود إلى الامور التالية: ما يمكن من التشكيك في قابلية النجاح للتصديق بنسبته. فلو كانت النسبة أكبر مما كانت لسهل عليهم اتهامه بالتزييف.
اتهموه لكن التهمة فاقدة للمصداقية بسبب كون النسبة صورة موضوعية لتوازن القوى السياسية. ولو حصل تزييف فكانت النسبة كبيرة لكانت التهمة الثانية تتجاوز اردوغان وحزبه إلى نضوج الشعب التركي للممارسة الديموقراطية: أن تعكس توازن القوى. ومن ثم فما يظن علامة ضعف في النتيجة هو في الحقيقة سر القوة: فهي تبين أولا أن أردوغان لم يفعل شيئا ليزيف النتائج لا مسبقا ولا خلال الاقتراع.
وتبين ثانيا أن الشعب التركي بلغ النضوج الحقيقي للممارسة الديموقراطية فأضاف إلى قومته التي أفشلت انقلابا شارك فيه أعداء الداخل والخارج علنا. والسؤال الآن -وهو من أسخف ما يرد على لسان عربي من طبالي حكام الاستبداد والفساد سواء كانوا من العسكر أو من القبائل هو ميل أردوغان للدكتاتورية.
ولعل قولة ديغول المشهورة تفهمنا معنى لحظات البطولة في تاريخ الأمم: اتهم بالميل الدكتاتوري لأنه وضع الخطة التي أرجعت لفرنسا منزلتها ودورها. ولعلي لا أبالغ إذا قلت إن ما فعله اردوغان أعظم مما أنسبه إلى ديغول: فهذا أنقذ فرنسا مرتين أولاهما بمساعدة الغرب كله والثانية بعدم تعطيله لها. لكن أردوغان والشعب التركي الواعي والبطل أنقذ الجمهورية من “التمصير” بمحاولة أمريكا وإسرائيل ومعونة خونة الداخل إيجاد سيسي جديد لمنع النهوض. وهو الآن -وقيادة للآتي لأن الحرب على نهوض السنة عامة وتركيا خاصة لن تتوقف- وعلاجا للأسباب الدستورية والمؤسسية تجاوز جمهورية ديغول الخامسة.
لم يختر نصف رئاسي ونصف برلماني مثله بل اختار نظاما رئاسيا صريحا يحول دون ما عانت منه الجمهورية الخامسة من عقبة تساكن بين سلطتين تنفيذيتين. ولا خوف من الدكتاتورية فما يوجد في الولايات المتحدة من جمع بين توحيد السلطة التنفيذية وتقييدها بالسطلة التشريعية خاصة متوفر وإن بشكل آخر. والشرط الآخر هو النقطة التي لا بد أن أعداء الداخل والخارج قد ازعجتهم أيما ازعاج: مشاركة الأتراك غير العادية في الانتخابات بخلاف الغرب. فهذه المشاركة العارمة -حوالي ثمانين في المائة من المسجلين- تعني أن العزوف السياسي في الديموقراطيات الغربية يقابله حماسة سياسية لها علة عميقة.
فالسياسة بمعنى المشاركة في رعاية الشأن العام تعتبر عند المسلم السني مقوما من مقومات تعريف الإيمان: آل عمران 104 بل هي علة الانتساب للخيرية. ومعنى ذلك أن النهوض التركي ليس مجرد محاكاة للديموقراطية الغربية كما يتوهم الكثير بل هو إحياء لمقوم من مقومات مفهوم الإنسان الحر في الإسلام. فالإنسان يحدده القرآن بمفهومين يختلفان عن مفهومي الحد الفلسفي (حيوان عاقل) وبصورة أدق يكملان تعريفه الإحيائي بتعريفه الخلقي المناظرين.
المفهوم الأول: اعتبار الإنسان مستعمرا في الأرض = مطالب بتعميرها دلالة رمزية لدحض ما اتهمته به الملائكة: ألا يسفك الدماء وألا يفسد في الارض. والشرط تعريف في آل عمران 104 بكونه مأمورا بأن «يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويؤمن بالله”. بلا إيمان بالله لا يكون التعمير حرا بل مضطرا. وبه يكون حرا أي إنه لا يعمر العالم بمنطق سفك الدماء والفساد فيكون التعمير بتهديم الإنسان بالتنافس والحرب والفساد كحال من يحارب أردوغان.
وبذلك تكون الجماعة التي تتنافس عليه متسابقة في الخيرات وهي إذن جماعة يمكن وصفها بكونها خير أمة أخرجت للناس آل عمران 110 = سياسة الإسلام.
وتلك هي علة تعريف الحكم بكونه أمر الجماعة المؤمنة وبكونها تسوسه بالشورى لتجنيب الجماعة صراعات الانفاق من الرزق: الشورى 38.
علة الحرب على تجربة تركيا:
السياسة ديموقراطية بالجوهر ليس محاكاة قردية لتجربة غربية بل هي تحقيق فهم إسلامي لدور المؤمن في حكم نفسه بنفسه.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock