تدوينات تونسية

أزمة النخب في تونس: خطابات ماضوية مغلفة بقشور الحداثة (1) / اليسار نموذجا

صالح التيزاوي

مشكلة النخب في تونس، أنهم دائموا الإلتفات إلى الوراء، حتى “التوت أعناقهم وأعناق أجيال بأكملها” رغم إدعاء الواقعية. 

مازال اليسار التونسي مشدودا إلى الفترة اللينينية الستالينية، باعتبارها التطبيق الأول لأفكار “كارل ماركس”. وذلك على الرغم من أن الإتحاد السوفياتي (قاعدة الماركسية اللينينية)، قد شهد إصلاحات عميقة في أواخر الثمانينات على يد الزعيم “غوربتشاف”، سميت “البريسترويكا” أفضت إلى تفكك الإمبراطورية السوفياتية. علما بأن تلك الإصلاحات، كان السيد حمة الهمامي يعتبرها “تحريفا” للمبادئ الماركسية، تماما كما كان يرى في أعظم دولتين اشتراكيتين: روسا والصين. (دولتين تحريفيتين).

كان من المؤمل بعد انهيار الشيوعية في العالم، وخاصة بعد الثورة التونسية، التي أتاحت مناخا من حرية الحركة، أن يقوم اليسار التونسي بنقد ذاتي وبمراجعات: في كتب ومنشورات وندوات، يمكن أن يطلع عليها التونسيون، حتي يقفوا على نوعيتها وعلى جديتها. ولكن الرفيق حمة اكتفى بإسقاط عبارة “شيوعي” من تسمية حزبه، بعد هزيمته في انتخابات أكتوبر 2011 معللا ذلك بأنه جاء بطلب من الجماهير.. يعتقد السيد حمة الهمامي أن مثل هذا “الإصلاح” الشكلي كفيل بمصالحة اليسار مع مجتمعهم.

المتأمل في الواقع التونسي يلمح بوضوح أن اليسار، قد وضع حواجز بينه وبين شركائه في الوطن من أصحاب الخلفيات الإسلامية حتى المعتدلة. ونرى المنتسبين إلى الفكر اليساري مازالوا يقومون بالفرز على أساس الهوية الثقافية، ويبذلون جهودا ضخمة وجبارة لتخليص الواقع التونسي ليس من الفقر او التخلف أو الإرث الإستبدادي، ولكن من تأثير خصومهم فيه (حتى وإن كان لا يتنافى مع جوهر الحداثة). هذه العقدة (نجاح الإسلاميين في تجربة الحكم)، دفعت أقطاب اليسار في تونس إلى التحالف مع البرجوازية، ومع الليبرالية الخشنة ومع منظومة الإستبداد لإقصاء خصومهم من الإسلاميين خوفا من تأثير محتمل على “النمط المجتمعي”. (اعتصام الرحيل ننوذجا).

يصر قادة اليسار التونسي على وجود تناقض اساسي وعميق بين اليساري والإسلامي، يمنعهم من التواصل، والإلتقاء على ارضية مشتركة: أرضية المواطنة والحقوق والحريات.

لقد كان الكاتب الروسي “تولستوي” أكثر الكتاب الروس تحمسا للأفكار الشيوعية، ولكن ذلك لم يمنعه من التواصل مع زعامات إسلامية كبيرة من أمثال الإمام والمصلح “محمد عبدة”، وغيره من رموز كثيرة في العالم الإسلامي. وفي اروبا نجد تعاونا واضحا بين الإتجاهات الماركسية والمسيحية، رغم الإختلاف البين في اسس النظريتين.

فلماذا يعتبر اليسار في تونس أن حوارا إسلاميا يساريا هو من قبيل حوار الطرشان؟ ألم يقل السيد حمة الهمامي زعيم الجبهة الشعبية أنه مع “الإسلام ثقافة وحضارة”؟ إذا أحسنا الظن بدوافع هذا “التحول”، ما الذي يبرر حالة العداء التي أكلت كثيرا وعميقا من جهود الطرفين، وأكلت كثيرا من الوقت، واقتضت كثيرا من المؤامرات على حساب المعركة الحقيقية ضد الفساد والتخلف والرداءة.

أزمة النخب في تونس: خطابات ماضوية مغلفة بقشور الحداثة (2) / القوميون العرب نموذجا

أزمة النخب في تونس: خطابات ماضوية مغلفة بقشور الحداثة (3) / الإسلاميون نموذجا

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock