تدوينات تونسيةمقالات

الحبيب بوعجيلة ورسالته المفتوحة: شرعية الشعب أم شرعية الحاكم ؟

صالح التيزاوي

يقول المحلل السياسي والمثقف السيد الحبيب بوعجيلة في رسالة موجهة إلى رئيس حركة النهضة الأستاذ راشد الغنوشي، بأن الأمة تمر بتحديات رهيبة، تستهدف مزيد تفتيتها، وتستهدف حقها في مقاومة العدو الصهيوني وتحرير مقدساتها وبناء تنميتها”. وهذا أمر لا جدال فيه، ولا اختلاف عليه.

لعل الضربة ألامريكية التي استهدفت سوريا، هي التي حركت في السيد الحبيب بو عجيلة مشاعر الإنتماء للأمة العربية والإسلامية، وأوحت إليه بكتابة هذه الرسالة. ومن حقنا أن نسال، ألم يحرك مصرع الأطفال الذين استهدفهم بشار بسلاحه الكيمياوي مشاعر السيد الحبيب بوعجيلة؟ ألم تحرك مشاعره صور ضحايا البراميل المتفجرة التي يقذف بها بشار شعبه يوميا ومن كل جانب؟ ألم تحرك مشاعره جثث القتلى ومشاهد الخراب وجحافل اللاجئين من الشعب السوري والمشردين في العالم؟

يتحدث السبد الحبيب بوعجيلة عن مؤامرة تستهدف الأمتين العربية والإسلامية، للتذكير فإن هذه المؤامرة تعود جذورها إلى اتفاقية “سايكس بيكو :1916″ و”وعد بلفور المشؤوم بين عامي 1902/1905”. وكأني بكاتب الرسالة يتبنى أطروحة القوميين في اعتبار الحراك المواطني والإجتماعي الذي شهدته سوريا مؤامرة من القوى الإمبريالية على النظام وعلى الوطن، “انتقاما من سوريا التي غادرت مسار التسوية المهينة” كما يقول كاتب الرسالة، وفي موضع آخر يقول: “لأن بشار انحاز إلى المقاومة”. يخطئ كاتب الرسالة عندما لا يميز بين سوريا وبين بشار، وهو خلط دارج في الثقافة العربية كرسته الأنظمة الإستبدادية، وروج له مثقفو السلطة وكهان الأيديولوجيا.

يقول الكاتب البريطاني “روبرت فيسك”: “ثمة خلط عند العرب بين مفهوم الحكومة ومفهوم الوطن”.

لماذا لا يعتبر استبداد الحكام وقمعهم للحريات وتحويل الوطن إلى سجن بل إلى مقبرة، كما في الحالة السورية، لماذا لا يعتبر مؤامرة على الوطن؟ لأن التنمية، وتحرير المقدسات ومواجهة الإمبريالية تحتاج إلى شعوب حرة، ولا تقدر على هذه الأعمال شعوب مكسورة الإرادة سجينة في اوطانها وتستجدي الحياة من طغمة حاكمة، شعارها “نحكمكم أو نقتلكم”.

من الغريب أن بعض المثقفين العرب من ادعياء الحداثة، مازالوا يعيشون بعقلية العصر الوسيط، يرون في الحاكم المخلص والمنقذ من الضلال والموصل إلى التنمية والتقدم. انهم يدافعون عن أنظمة فاشية تبين سقوطها، وفشلها في مواجهة “التحديات التي تواجه الأمة” كما يقول كاتب الرسالة. هذه النخب في الوقت الذي تتمسك فيه بتجارب فاشلة، ترفض الإنفتاح على التجارب الناجحة في العالم.

قال ابن سعيد المغربي: (أديب أندلسي ورحالة توفي في دمشق سنة 1275) ناصحا ولده: “إذا رأيت من له عقل ومروءة وتجربة فاستفد منه، ولا تضيع قوله ولا فعله”.

سي الحبيب بو عجيلة: استهداف الأمريكان للتراب السوري جريمة وخطب يسير، أما الخطب الكبير، فهو استهداف الحاكم “المؤتمن” لشعبه بكل أنواع الأسلحة… هذه هي الجريمة والمؤامرة الحقيقية.

يمعن المثقف والمحلل الحبيب بوعجيلة كغيره من القوميين في المغالطة فيقول: “سوريا غضت الطرف عن مقاومة عراقية عربية ساهمت في هرسلة الغزاة الأمريكيين لبلاد الرافدين”. وسوريا أيضا هي التي ساهمت مع القوات الأمريكية في تدمير العراق. فكيف تدعم المقاومة في فلسطين وتساهم في تخريب وطن كان على عتبة الدول المتقدمة؟

هذا الموقف من كاتب الرسالة يحيلنا على تناقضات القومجيين: يساندون الثورة في تونس ويرفضونها في سوريا، فهل جرائم بشار أهون من جرائم بن علي؟

ينددون باستعمال الرش في تونس (وهو أمر مرفوض) إلى حد المطالب بإسقاط أول تجربة ديمقراطية في تونس، ويساندون بل ويحجون إلى حاكم قصف الأطفال بالسلاح الكيمياوي، حاكم شعاره: المجد للبراميل المتفجرة وليس للحرية”. بعض المثقفين في تونس من القوميين واليسار “يسمون في تونس وينحطون في دمشق”.

يعتبر السيد الحبيب بوعجيلة ان التنديد الواسع من أنصار الحرية في تونس بجرائم بشار قد يضفي مشروعية على أطماع القوى الإستعمارية، وبنفس هذا المنطق المعوج، ألا يعتبر السكوت عن جرائمه نوعا من إضفاء المشروعية على نظام فقد أهليته في الحكم.

سي الحبيب أحببناك وأنت تنتصر للثورة التونسية، ونضالاتك زمن المخلوع تشهد لك، ولكنك في المسألة السورية جانبت الصواب لأن شرعية الشعب مقدمة على شرعية الحاكم.

اللافت للإنتباه في رسالة السيد الحبيب بو عجيلة أنه لم يأت مطلقا على ذكر القوات الروسية والإيرانية والمليشيات الشيعية ولم يأت على دورها في سوريا. لماذا؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock