مقالات

جريمة خان شيخون، النخب العربية وتهديم الذات

أبو يعرب المرزوقي
لا أنوي لوم مليشيات القلم ولا مليشيات السيف العربية التي تخدم الملالي والحاخامات وتبرر كل ما يفعله جزارو الشام والعراق ومصر وليبيا واليمن.
ولا أنوي حتى لوم هؤلاء الجزارين وحتى مؤيديهم من الملالي والحاخامات ولا حتى طراطير المحميات التي يسمونها دولا عربية. فلأفهم طبيعة ما يجري.
ما طبيعة الرهان الذي يجعل الملالي والحاخامات ومافيات روسيا والغرب وحتى الصين يجمعون على ضرورة تغذية عاملي التهديم الذاتي لسنة الإقليم؟
فما يجري بلغ حدا يجعل الناظر يصدق نافي حدوثه أكثر من مثبته لفرط ما يغلب عليه من عدم قابلية التصديق واللامعقول. ما هذا الجنون التخريبي للذات؟
فهل يكفي أن يوجد من يريد استرداد امبراطورية متقدمة على الإسلام سواء كانت يهودية أو فارسية أو بيزنطية أو صليبية أو استعمارية لنفهم ما يحدث؟
أم إن شيئا ما يحصل في الحضارة العربية الإسلامية نفسها يجعل نخبها تتحول إلى آكلة لذاتها بصورة يجعل كل افعالها تتحول إلى أدوات تخدم غزاتها؟
هل مفهوم “فساد معاني الإنسانية” الذي تكلم عليه ابن خلدون ليفسر آلية فناء الشعوب والحضارات يمكن أن يفهمنا الفوضى الهدامة في الحكم والمعارضة؟
لا أنوي الانضمام إلى المناحة العامة على خان شيخون. فالنواح للعجز والعجز من علامات “فساد معاني الإنسانية” ومجرد الوعي بالمرض بداية العلاج.
ما الذي يجعل طراطير المحميات العربية والملالي والحاخامات والروس والأمريكان وحتى الصين يجدون من المفيد تغذية الدافعين لهذا التهديم الذاتي؟
والمثال التام لهذين المحركين هما: الإبقاء على نظام بشار وعلى داعش في آن مع المداورة بدعوى تقديم المعركة ضد هذه أو ضد ذاك واطالة عمرهما.
سأفترض نظام الغفير بشار ممثلا لغاية ما ينحط إليه طراطير حكم العرب والغفير البغدادي ممثلا لغاية ما يمكن أن ينحط إليه طراطير معارضة العرب
ألا تكون المحافظة على بشار رمزا لغاية انحطاط حكم العرب أفضل طريقة للمحافظة على البغدادي رمزا لغاية انحطاط معارضتهم والعكس بالعكس؟
إذا كانت الصناعة الإنسانية قد فشلت في صنع آلة ذاتية الحركة الدائمة دون حاجة لتغذية طاقية خارجية فإن هذه الاستراتيجية السياسة حققت المعجزة.
وهذه المعجزة التي تجعل الجماعة تهدم ذاتها بذاتها بجعل الحكم الفاسد ينتج المعارضة الفاسدة والعكس بالعكس هي خاصية عرب الإقليم الجوهرية.
لكأن القصد إرجاع العرب إلى ما كانوا عليه في جاهليتهم على هامش التاريخ بفارق وحيد وهو أن القصد هذه المرة إخراجهم منه بعد أن كانوا من سادته. فمن يمكن أن يطلب ذلك؟
خمس امبراطوريات تريد تحقيق ذلك بعد أن فقد العرب الغريزة الامبراطورية منذ سقوط الدولة الأموية وأسسوا محميات الطوائف.
فمن حولهم نزعة استرداد خمس امبراطوريات يعتبر أصحابها الإسلام هو العدو وانبعاثه مرهون بعودة العرب لهذه الغريزة التي يملكون رمزها وهم أصله.
امبراطورية داود وامبراطورية كسرى وامبراطورية بيزنطة وامبراطورية بابوية القرون الوسطى وامبراطورية الاستعمار: منع سنة العرب من استئناف دورهم.
بداية دورهم كانت في النشأة الأولى اخراجهم من الجاهلية حتى صاروا قلب التاريخ الكوني.
ومن ثم فمنع الاستئناف هو إعادتهم بما وصفنا للجاهلية.
فالجاهلية العربية حرب أهلية دائمة بين قبائل عربية فسدت فيها معاني الإنسانية همها تفاخر بأوهام الصغار وتغازي الفجار للثأر وتخريب الديار.
بخيانة طراطير حكمهم وغباوة معارضتهم أعادوا امبراطورية فارس وداود وبيزنطة (وريثتها روسيا) والاستعمار (وريثته أمريكا): بنخبهم بالقلم والسيف.
لا يوجد نظامان متجاوران من دون حرب حدود باردة أو حامية وكلهم يدعي الغيرة على السيادة وهم جميعا محميات السيادة لمستعمر يحميهم ضد شعوبهم.
وما يصح قوله على طراطير الحكام يصح أكثر منه على طراطير معارضيهم لأن مناهم أن يكونوا مثلهم على نفس المحميات بنفس التبعية فقدان السيادة.
ومن ثم فالحرب الأهلية هي بين أمراء حرب بالفعل -طراطير الحكم- وأمراء حرب القوة -طراطير المعارضة- والكل يتنافس ويرشح نفسه لخدمة الحامي.
وذلك هو أساس الآلية التي قلت إن الميكانيكا فشلت في إيجادها: آلة تعمل دائما دون حاجة لتغذية طاقية خارجية لتعادي قطبيها: حكم ومعارضة جاهليان
وبذلك تتفق النزعات الامبراطورية الخمسة على المحافظة على القطبين حتى يعتبر وكأن العدو يساعد البناء وهو يساعدهما على التخريب الذاتي.
بشار يتصور الملالي والحاخامات ومافية بوتين يساعدونه والمعارضة تتصور أن مافيات الأنظمة العميلة والغرب يساعدونهم: وهم يغذون التهديم النسقي.
لذلك فأنا لا أعتقد أن بشار له أكثر من دور إضفاء الشرعية على تدخل الملالي والحاخامات ومافية بوتين إذ لا وجود لدولة ذات سيادة إلا على الورق.
ولا أعتقد أن المعارضة ذات سلطة فعلية على ما يجري في مقاومة النظام أو داعش فهي كذلك فاقدة لاستراتيجية مقاومة حرة بل هي مثل بشار مجرد مبرر.
ولهذا فأنا لا أصدق أن إنسانا ذا عقل وفهم يمكن أن يذهب إلى تهديم بلاده من أجل ما يدعيه بل هم مجرد أدوات في آلية إعادة العرب للجاهلية.
والمعارضة بصنفيها (الدولة القطرية والخلافة) ما بينهما من عداوة مضاعفة يوحد صنفي الحكام ضدهم: سياسي حول اسلوب الحكم وحضاري حول أسلوب الحياة.
ذلك أن الأنظمة العربية بصنفيها القبلي والعسكري لا تعترف بغير الأقطار المحميات المتنكرة بشعار الحداثة والمقاومة أو بشعار الاصالة والإسلام.
فيصبح التنافس بينهم على نفس الشعارات بحماية نفس المستغلين لخلافاتهم وإذن فلا عجب أن كان المستفيدون من ذلك متفقين على إدامة تهديمهم الذاتي.
وضع العرب حكاما ومعارضين علته الأصلية والوحيدة التي تجعل أعداءهم يحافظون على المجريات التي هي لفائدتهم أنهم نكصوا إلى القبلية والجاهلية.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock