تدوينات تونسية

حكاية وطن لم نقدّم له شيئا،،، ولم يقدّم هو لنا شيئا

منجي باكير
سأقول اليوم أحاسيس، وأصف إحباطات، وأذكر حقائق هي موجّهة أساسا إلى الشريحة العمريّة التي جاوزت الأربعين سنة، فقط لأنّه لن يفهمها إلاّ هم…
هذا الوطن، ولدنا فيه وترعرعنا وكبرنا فيه، أحببناه من كلّ قلوبنا وحيّينا علمه وردّدنا نشيده الوطني منذ كنّا لا نفقه معاني أبياته ولا زلنا نحفظ هذه الأبيات على ظهر قلب، لكنّنا قلناه بقلوبنا قبل ألسنتنا لا كما يفعل السّياسيون في مهرجانات الخطابة والإحتفال بالأعياد الوطنيّة، تتلعثم به شفاههم ولا تعتقده قلوبهم وذلك لأنّه طبعا يفضحهم، ولأنّه يذكّرهم بـ: لا عاش في تونس من خانها،، وبعد قرون اكتشفنا أنّهم خونة ومرتزقة وظلمة باعوا الوطن واضطهدوا أهله بل سخّروهم لتكديس ثرواتهم…
قلت كبرنا في هذا الوطن ولكنّنا لم نقدّم له شيئا غير الدّعاء، نعم لم نقدّم له شيئا لأنّ حكّامه السّابقون كمّموا أفواهنا وكبّلوا أيدينا وصادروا أدمغتنا وقصّوا ألسنتنا وضربوا علينا الحجْر وسفّهوا رأينا وتولّوا زمام أمورنا، حتّى صرنا كالسّوائم التي ترعى الأرض ولا تملك لمصيرها شيئا، كنّا نعيش على أرض الوطن بلا هويّة ولا انتماء، كنّا نعيش بالإيجار، ليس لنا الحق أن نفكّر لوطننا، ليس لنا الحقّ أن نبدع لوطننا، ليس لنا الحقّ أن نقرّر مصائرنا ولا مصير وطننا أمام عقليّة الرجل الأوحد وبإشرافه وبعنايته الموصولة وبهْدي منه،، ولولاه لما كنّا كما نحن !
هادن من هادن، باع من باع، وفرّ من فرّ وبقينا (نحن حجرْ الواد) هنا على الأرض صامدون برغم الحديد والنّار، برغم البوليس الذي يحاصرنا ليل نهار، بقينا وتحمّلنا في الوطن أطواقا تطبق على أنفاسنا وتجرّدنا من إنسانيتنا من طرف الحكّام ومن أزلامهم بني جلدتنا فعايشنا المعاناة وبقينا على العهد،،،
كذلك لم يقدّم لنا الوطن شيئا،،، وهذه بتلك ! لم يقدّم لنا الوطن غير الخوف والجبن والذلّة والإستعطاف والعيش على منن الحاكم والرضاء حتّى بما يؤلمنا، كنّا نعيش مواطنين درجة ثانية أو حتى ثالثة، في وطننا كانت الأولويّة للبلاط وأقاربه وأزلامه وكذلك الأولويّة للسّائح الأجنبي (لأنّه يجلب العُملة التي ينهبها البلاط ولا ينتفع بها الشعب)، كنّا نسمع عن ثروات الوطن لكنّنا لا نراها ولا نلمسها، كنّا نقرأ لافتات الوطنيّة والحقوق والحريّات لكنّنا كنا نعي جيّدا أنّها للتسويق خارج الوطن، كنّا نتحرّك في المسموح لنا من رقعة الوطن ولا نتجرّأ على الإقتراب من أراضي الحفنة الحاكمة، كنّا نعيش في الوطن والوطن يَبكينا (خُفية) خوفا من سيوف الجلاّدين لأنّه لم يقدر أن يعطينا شيئا.
فجأة وقع الإستثناء، حدثت الثورة، ثورة صنعها الشعب بدمائه، استبشرنا وتفاءلنا خيرا، مرّت الأيّام والأشهر لكنّنا لم نرَ ما صبوْنا إليه ولا ما تعلّقت به أمانينا،،، طيلة هذه المدّة الفارطة دخلنا دائرة جديدة من التخبّط والضياع وسُلّمنا من حكومة لحكومة كما عُهدة أو أصلٍ تجاري…
رجعنا نعيش الخوف بطعم آخر لكنّه بأقوى وتيرة، عشنا بداية وسط الإضَرابات والإضطرابات وقطع الطرق و(البراكاجات) وتهريب أقواتنا وأدويتنا وخيراتنا إلى خارج الوطن، أدخل لنا صعاليك الليل من وراء الحدود كثيرا من الموبقات والممنوعات، ثمّ صار الوطن رهينة لحفنة من أدعياء السّياسة وأزلام الأنظمة البائدة ودعاة التفسّخ والإنسلاخ عن الهويّة والدّين، اغتصبوا وسائل الإعلام وصاروا يمطروننا بختلف تنظيراتهم العقيمة واليتيمة ويصنعون فينا الجهل والغباء ومَوات الذاكرة والطموح،،، حاصرنا غلاء المعيشة وكثرت مآسينا وحلّت بنا ضبابيّة المسار وسط توافقات واتّفاقات ومقايضات وكذلك تصارعات بين الأحزاب، كثير منهم كان بالأمس يجلد الوطن والمواطنين ويتعاون مع الحاكم على سحقهم وتجهيلهم وامتصاص دمائهم واليوم علّقوا يافطة المشروع والإنقاذ والبناء وغيرها من المسميات التي لا تعني شيئا ولا تفيد إلاّ باعثيها،،،
يستمرّ هكذا حالنا وحال الوطن، لم يقدّم لنا الوطن شيئا ولم نقدّم للوطن شيئا،
فهل يبقى في العمر بقيّة حتّى ننعم بوطننا ونحسّ بجمالية الإنتماء إليه ونستطيع أن نقدّم للوطن أشياء ويقدّم لنا الوطن أشياء، بقيّة نحيا فيها على هذه الأرض الطيّبة مواطنين أسوياء أنقياء ننعم بقدر من الرفاه وكثير من المُوَاطنَة ولنعشق بحقٍّ تراب الوطن !؟؟؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock