تدوينات تونسية

عن حقوق الدولة في مداخيلي الطائلة

كمال الشارني
يعني يبدأ الواحد منا، يلهث ليتلقط رزقه، فينزل عليه فجأة قرار صاعق من القباضة المالية: “تعال إلينا فورا لكي تبرر لنا من أين تعيش منذ عشرة أعوام”، أوكي، لم أكن آكل التراب. 
لكن علاش ؟ باش سمعتم ؟ آه ؟ تقصدون الحاويات الست عشرة التي استوردتها من الصين ؟ أم الحاويات الثلاث من تركيا ؟ أم سيارتي ذات 16 حصانا التي لا تدفع الضرائب تحت شعار “ن ت” ؟، وحتى في هذه الحال، ألم يكن من الأجدى أن تسألوا الديوانة أولا ؟
ليس عندي أي شيء عند الديوانة ولا التهريب ولا الضرائب ولم أنشأ شركة وليس عندي باتيندة، ولم أشتر شيئا سوى حاسوبا صينيا بـ 430 دينارا ولست مضاربا في أي قلم، سواء في البرتقال ولا التمر ولا في الطماطم وشراءاتي من زيت الزيتون لم تتجاوز عشر لترات، لي أجر عرقي اليومي، حيث كل مليم استلمه، يتولى المشغلون خصم الضريبة منه مسبقا ولا يمكنكم اتهام الإذاعة العمومية مثلا بالتهرب الضريبي، النظام الجبائي في تونس يقوم على الخصم من المورد، يعني أي صاحب مؤسسة أو مشغل يعرف أن القانون يجرم تسليم الأموال كاملة إلى الأجير أو مسدي الخدمة، وعليه، لا مسؤولية للأجير أو مسدي الخدمة في الضرائب على الدخل، لذلك، أنسى هذا التعسف الحكومي، وأفكر فقط في ملامح هذا الموظف العبقري الذي طلع لي بهذه الفكرة لكي لا تضيع حقوق الدولة في مداخيلي، وأحب أن أسأله عن عشرات الآلاف من ملفات كبار الاقتصاد الموازي.
في مدينة الرشوة والتهرب الضريبي: وزير المالية لم يقل شيئا:
بلغني والله أعلم، أن وزير المالية قد أعطى تعليماته الصارمة لمقاومة التهرب الضريبي، والاستنجاد بالقوة العامة إن لزم الأمر وتسخير وسائل الدولة للتنفيذ، وأن المتهربين من أصحاب المهن الحرة والباتيندات المزيفة وكل أشكال التهرب الضريبي يرتعشون خوفا بعد أن قررت الدولة أن تريهم العين الحمراء،
لا يصح هذا الخبر إلا في حالة واحدة: أن يعلن وزير المالية عن نقل مقر إقامته إلى ثكنة العوينة أو إلى أبعد مكان في مقر “الفيلق الرابع عشر للمشاة الآلية” لكي يضمن بقاءه حيا.
وحتى في هذا الاحتمال، فإن المنطق يتطلب أن يكون للسيد الوزير أعوان موثوقون، يعني جملة ما يسمى “الأيدي النظيفة” كما حدث في إيطاليا في التسعينات، “ماني بوليتي”، التي أدت إلى سجن العديد من المسؤولين واختفاء الكثير من الفاسدين وانتحار بعضهم وانهيار الجمهورية الأولى في ما كان يسمى وقتها “مدينة الرشوة”،
وعليه، فإن الخبر زائف تماما، ولا يمكن أن نحلم به إلا في جيل آخر من التونسيين، عندما يعضهم الجوع ويكتشفون أن الإرهاب ليس صناعة الدين بقدر ما هو صناعة الفساد، وأن أكبر عدو لهم هو الفساد، وأنهم حين يقضون عليه، سيقضون على كل الآفات التي يصنعها، والله أعلم،
وزير المالية لم يقل شيئا في هذا الموضوع، وليس هو من طلب محاسبتي على مداخيلي الطائلة غير المشروعة التي تفطن إليها موظفو القباضة المالية في المروج، وطالبوني بدفع مستحقات الدولة عنها منذ عشرة أعوام، والله أعلم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock