تدوينات تونسية

لا أتّهم ولكنّي لا أستثني أحدا

حسين السنوسي

  1. هذا الصّباح أفقت في ضاحيتي الباريسيّة على وقع خبر نقلته شبكات التّواصل الإجتماعي: مرّة أخرى يدفع أحد إخواننا حياته ثمنا لحرب إجراميّة – عبثيّة تتّخذ الإسلام العظيم غطاء لها.
  2. بعد التّرحّم على الشّهيد بدأت أجوب شبكات التّواصل طولا وعرضا باحثا عن التّفاصيل وقارئا لتعليقات الأصدقاء الإفتراضيّين.
  3. التّعليقات -كالعادة- لا لبس فيها ولا غموض: المسلمون جميعهم -إلّا ما قلّ وشذّ- يرفضون هذه الجّرائم جملة وتفصيلا ولا يقعون في فخّ التّفهّم أو التّنسيب فضلا عن المساندة.
  4. لكنّ هناك ظاهرة لفتت انتباهي مرّة أخرى وهي ظاهرة “البحث عن الشركاء في الجريمة” واستغلال هذا البحث لتصفية الحساب مع الخصوم الفكريّين والسّياسيّين. هذه ظاهرة قديمة لم تفعل التّكنولوجيا أكثر من توسيعها وتسريعها.
  5. لذلك فإنّ شبكات التّواصل كانت ما تزال “على ريق النوم” -حسب تعبير أحمد فؤاد نجم- والخبر لم تعرف تفاصيله عندما بدأ المتّهمون (بكسر الهاء) في الإجابة على سؤال “من المذنب ؟”
  6. قائمة المذنبين عند هؤلاء هي نفسها في كلّ مرّة يعتدى فيها على خلق اللّه باسم دين اللّه. يقولون لنا “إنّ المجرم ليس الذّي رفع السّلاح فحسب بل مجرم كلّ من قال كذا في الموضوع الفلاني وكتب كذا في الموضوع العلّاني وساند النّظام الزّيدي وعارض النّظام العمري”.
  7. أمّا أنا فلا أتّهم أحدا. أو قل إنّي أتّهمنا جميعا. أو قل لمزيد من التّدقيق إنّي أعتبرنا جميعا مسؤولين وإن لم نكن مذنبين.
  8. إذا أردت التّفصيل فسأقول إنّي أتّهم ثقافة الشّعوذة التّي تنسى أو تتناسى أن الإسلام العظيم حدّ بين الغيب والخرافة.
    وأتّهم ثقافة “تقولون ما لا تفعلون” والرّياء والنّفاق والمظاهر المتضخّمة.
    وأتّهم ثقافة “أنا وما أدراك ما أنا” والذّوات المتضخّمة بشكل مضحك.
    وأتّهم ثقافة التّواكل والعجز عن المبادرة.
    وأتّهم ثقافة “اللّه غالب” – وهو غالب فعلا على أمره.
    وأتّهم ثقافة “إنّ البقر تشابه علينا” والمماطلة والتّسويف والهروب من المسؤوليّة.
    وأتّهم ثقافة الكراهية.
    وأتّهم ثقافة الهزيمة واحتقار الذّات.
    وأتّهم ثقافة التّجزئة و”آش عندنا فيهم أحنا؟”.
    وأتّهم ثقافة “أنا وابن عمّي على أخي وأنا والغريب على ابن عمّي”.
    وأتّهم ثقافة الكتب المهملة في رفوف المكتبات.
    وأتّهم ثقافة التّعالم والإستحمار وبيع الأوهام الجّاهزة.
    وأتّهم ثقافة الخوف من الحرّيّة والحذر من العلم.
    وأتّهم ثقافة القبح.
    وأتّهم ثقافة المواخير والإبتذال والتّمومس بدرجاته وأنواعه.
    وأتّهم ثقافة “قفا نبك” – مع الإعتذار لأمرؤ القيس.
    وأتّهم ثقافة التّشاؤم والسّوداويّة.
  9. أتّهم الثقافة التّي أنتجت لنا هذا الكمّ الهائل من الجّهلة والأنذال واللّصوص والمخرّبين والطّفيليّين. أتّهم ثقافة الإنحطاط.
  10. إذا أردت -أخي الكريم- أن تبحث عن مذنب فقد لا تجده أمّا إذا كنت تبحث عن مسؤول فانظر في مرآتك ثمّ انظر إليّ ثمّ انظر إلى كلّ أبناء أمّتك -الذّين تعرفهم والذّين لا تعرفهم، الذّين تحبّهم والذّين لا تحبّهم. وزّع المسؤوليّة على هؤلاء جميعا- بنفس القدر أو بأقدار متفاوتة ثمّ قم إلى عملك وتذكّر ما علّمته صغيرا: “من جدّ وجد ومن زرع حصد”.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock