مقالات

المهاجرون غير الشرعيين، ضغط ألماني وترحيب تونسي

ليلى الهيشري
موافقة تونس استرجاع 1500 مهاجر سري من ألمانيا رفضت هذه الأخيرة طلبات لجوئهم مقابل تعهد حكومة ميركل بمنح تونس 250 مليون يورو لدعم مشاريع تنموية على التراب التونسي.
وجاءت جولة ميركل في قارة افريقيا تزامنا مع تحضيرات الأحزاب الألمانية للانتخابات التشريعية القادمة في أواخر 2017، وتأتي مساعي ميركيل في حل ملف الهجرة، في إطار سعيها الحثيث لتصحيح مسارها السياسي الذي لاقى ردود فعل سلبية وانتقادات واسعة حتى في صفوف التيار المحافظ الذي تنتمي إليه، ويعود هذا الموقف المعارض لبرامجها السياسية في اهمالها للملف الأمني مقابل تساهلها في التعاطي مع ملف الهجرة، عبر استقبال ميركيل لمليون لاجئ اغلبهم من السوريين في الفترة الممتدة من 2015-2016.
ورغم نجاح ميركيل في مراعاة البعد الإنساني في ملف الهجرة، فقد كانت، حسب بعض المحللين السياسيين الألمان، غير موفقة في التعاطي مع ملف أكثر خطورة وهو الملف الأمني، وتأكد ذلك على ارض الواقع، من خلال اعتداء برلين الذي نسب لأنيس العامري، المهاجر غير الشرعي ذي الأصول التونسية.
تغيرت سياسة الهجرة في ألمانيا وظهرت بوادر إجراءات أكثر تشددا تجاه طلبات اللجوء والهجرة والبحث عن حلول جذرية للقضاء على مد الهجرة السرية التي ازدادت وتيرتها في السنوات الأخيرة نتيجة الحروب والثورات العربية، وأفضى هذا التغيير إلى قيام ميركل بجولة في القارة الإفريقية وتحديدا في بعض الدول المعنية بملف الهجرة السرية، ومنها تونس، وكانت الغاية الأساسية من هذه الزيارة، بحث آليات تسريع ترحيل المهاجرين التونسيين غير الشرعيين.
ولقيت هذه المناورة الألمانية استحسان الحكومة التونسية الحالية، وتوصل الطرفان إلى إبرام اتفاق جديد يقتضي قبول تونس لهذا العدد الكبير من المهاجرين غير الشرعيين مقابل دعم الحكومة التونسية في برنامج إحاطة اجتماعية موجهة لهذه المجموعة عبر تقديم دعم مادي مناسب، كما تشمل الاتفاقية المبرمة حديثا على مشروع تعاون وقائي يستهدف عمليات الهجرة السرية مقابل البحث في سبل تأطير الهجرة القانونية التي تتوافق ومتطلبات البلد المستضيف.
وبعيدا عن البيانات الرسمية، وفي قراءة ضمنية لهذا الصك القانوني، تأتي بادرة الحكومة الألمانية كانعكاس لتداعيات حادثة اعتداء برلين أواخر السنة الفارطة على شعبية ميركيل السياسية خاصة وأنها تسعى إلى الحصول على ولاية رابعة من خلال خوضها غمار الانتخابات التشريعية التي ستنعقد في خريف 2017، عبر تدعيم حظوظها في ظل وجود منافسة قوية من بعض الأحزاب اليسارية البارزة في الساحة السياسية الألمانية.
أما الحكومة التونسية، فقد تبين للرأي العام صراحة عجزها على مقاومة ضغط الحكومة الألمانية، إذ نرى توجها قويا نحو محاولة إرضاء الطرف الألماني على حساب مصالح تونس الداخلية، خاصة وان يوسف الشاهد اضطر أواخر السنة الفارطة إلى زيارة ألمانيا لتحسين العلاقات التي توترت إبان اعتداء برلين، وفي قيامها بهذه التنازلات تسعى الحكومة التونسية إلى تمتين العلاقات المشروخة مع ألمانيا من جهة لتجعل من التزامها من جهة أخرى، موقفا يتماشى مع دعمها للدول التي تدعوا إلى مكافحة الإرهاب في العالم، كرد مباشر على ادعاءات بعض السياسيين الألمان وخاصة  السيد رالف بيغر، وزير داخلية مقاطعة وردراين وستفالن، الذي انتقد مماطلة الحكومة التونسية في تنفيذ إجراءات استرجاع مهاجريها غير الشرعيين المقيمين في ألمانيا ومنهم   أنيس العامري، المتهم بتنفيذ اعتداء برلين الإرهابي.
لذلك، لا يسعنا سوى الـتأمل في تمظهرات سياسة الشراكة الملغومة بين تونس وألمانيا والتي تخدم مصلحة الطرف القوي، عبر مساعدته على التخلص ممن تعتبرهم “مصدر خطر إرهابي محتمل” مقابل تقديمها لإغراءات مالية تسند طرف مقابل، يعيش أزمة اقتصادية خانقة يرى في هذه البادرة اقتراحا لا يقبل الرفض.
وفي ظل غياب الاستقرار الذي ميز العلاقة الدبلوماسية بين الدولتين في الآونة الأخيرة، نتيجة  التجاذبات السياسية التي أفرزتها تداعيات ملفي الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وجب التساؤل حول مدى خطورة هذا الاتفاق على الوضع الأمني التونسي، إذا ما نجحت الاتفاقية التونسية – الألمانية المبرمة حديثا، في فتح الباب لموجة من المساومات المبنية على برنامج “استقبال المهاجرين السريين مقابل دعم المشاريع التنموية” قد تعتمده بعض الدول الأوروبية الأخرى للحد من مخاطر الإرهاب المتأتي من ظاهرة الهجرة السرية ؟

تعليق واحد

  1. ذكرتني ببرنامج النفط مقابل الغذاء، عندما تريد ميركل البقاء في سدة المستشارية الالمانية ، نجبر على استعادة المهاجرين والله وحده يعلم ماهي خلفياتهم وبرامجهم وماذا سننتظره من مفاجآت، شكرا لك

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock