مقالات

ثلاثة أسئلة إلى الوحدويّين قبيل مؤتمرهم

حسين السنوسي
من النّاحية الرمزيّة يمكن اعتبار مؤتمر حركة الشّعب حدثا من أهمّ أحداث ما بعد الثّورة. ذلك أنّ الفكر والعمل الوحدويّين كانا من الممنوعات في عهد بورقيبة أمّا العهد الذّي تلاه فقد تحيّل كي يضع حزبا ذي لافتة وحدويّة على قائمة أحزاب المعارضة الكرتونيّة لكنّه كلّما ارتفع صوت وحدويّ حرّ عاد إلى العادات القديمة -الأستاذ البشير الصّيد مثالا-.
لا شكّ أنّ هذا الحدث الهامّ سيكون مناسبة لطرح أسئلة كثيرة حول تيّار تكاد رياح الهزيمة أن تجتثّه اجتثاثا. الأسئلة كثيرة، بعضها موجع وبعضها لا جواب له على الأقلّ في الوقت الحاضر. في هذا المقال نكتفي بطرح أسئلة ثلاثة تتعلّق بالتّرجمة العمليّة للإنتماء الوحدوي والتّنظيم وأولويّات المرحلة.
السّؤال الأوّل: حول المنطلقات وما يترتّب عنها
هناك فرضيّة ما كان لحزبكم أن يوجد لولاها. هذه الفرضيّة هي وجود أمّة عربيّة مكتملة التّكوين. عندما نتبنّى هذه الفرضيّة ونتصرّف على أساسها يقول لنا الشّامتون إنّ الأمّة العربيّة وهم ولد عندما كانت الدّولة العثمانيّة تحتضر ومات نهائيّا بعد حرب الخليج في تسعينياّت القرن الماضي ويقول لنا المتشائمون إنّ العرب قد يكونون أمّة لكنّهم اتّفقوا على ألّا يتّحدوا وأنّ التّجزئة بدأت في عهد هارون الرّشيد ويضيف الشّامتون والمتشائمون كلاهما إنّ العرب قد يكونون أمّة بالمعنى الثّقافي لكنّ الواضح أنّهم لم يكونوا يوما أمّة بالمعنى السياسي ويسوقون على ذلك دليلا  مفاده أن العرب يجمعهم شعر المتنبّي وصوت أمّ كلثوم وتفرّقهم المسائل السّياسيّة بما فيها مسائل الوحدة ومقاومة الإستعمار وتحرير فلسطين.
إذا صحّت هذه الفرضيّة وهي عندكم صحيحة فلا شكّ أن لديكم على ما يقول الشّامتون والمتشائمون ردودا لا تردّ. بالإمكان طبعا أن ندخل من جديد في جدل نظريّ حول هذه المسائل وأن نكتب حولها الكتب والمقالات لكن السّؤال المطروح هنا ليس نظريّا -أو لم يعد كذلك-.
سؤال المنطلقات وما يترتّب عنها هو ببساطة: ماذا يعني أن تكون وحدويّا في عالم السّياسة في سنة 2017 أي بعد أن صارت التّجزئة أمرا واقعا وفرضت الإقليميّة نفسها حتّى على بعض الذّين كانوا إلى وقت قريب يقاومونها؟
نسألكم كيف تكون السّياسة التّعليميّة وحدويّة وكيف تكون السّياسة الإقتصاديّة وحدويّة وكيف تكون السّياسة الخارجيّة وحدويّة وكيف تكون السّياسة الثّقافيّة وحدوية؟
نسألكم أيضا إذا كان الهدف المشروع لكلّ حزب سياسيّ هو الوصول إلى الحكم منفردا أو متحالفا فماذا أعددتم له؟ ماهي برامجكم وأين إطاراتكم؟
السّؤال الثّاني: حول المعركة القادمة
بعد حرب أكتوبر 1973 بسنة تقريبا كتب الدّكتور عصمت سيف الدّولة رحمه اللّه مقالا عنوانه “الحرب الأخيرة” أراد أن يتحدّث فيه عن الحرب القادمة (مع العدوّ الصّهيوني) حديثا “هادئا موضوعيّا” ودعا فيه إلى أن تكون هذه الحرب هي الحرب الأخيرة “ليتفرّغ بعدها الشّعب العربيّ لبناء الحياة التّقدّميّة رخاء وحريّة”.
في ذلك الزّمن الجّميل كانت الأمور واضحة وضوح الشّمس فالعدوّ هو العدوّ والوحدة هدف قد يكون بعيد المنال لكن أحدا لم يكن يعتبرها وهما لا طائل من ورائه. لذلك لم يجد الدّكتور رحمه اللّه صعوبة في تحديد هدف هذه الحرب (تحرير فلسطين) ولا أداتها (دولة وحدة تضمّ مصر وسوريا والأردن وفلسطين).
الأمر كما تعلمون مختلف تماما هذه الأيّام فالعدوّ لم يعد عدوّا عند الكثيرين والأمّة مشكوك في وجودها والتّجزئة أمر واقع لذلك فإنّ المعركة القادمة ستكون شديدة التّواضع في أهدافها رغم أنّ ثمنها قد يكون باهظا وهي لن تكون الأخيرة بالتّأكيد.
السّؤال الذّي يطرح نفسه بحدّة يتعلّق بالأولوياّت. فهل تكون المعركة القادمة هي معركة المحافظة على الموجود -مجرّد المحافظة على الموجود- خوفا من أن يتواصل السّقوط وتزداد الإنقسامات؟
أم تكون معركة “الدّيمقراطيّة أوّلا” طريقا إلى إمساك الشّعب العربيّ بزمام أموره؟
أم تكون معركة “لا صوت يعلو فوق صوت التّنمية” كما كان الأمر في بدايات الإستقلال؟
السّؤال الثّالث: هل أنتم ناصريّون؟
يمكن أن ننطلق مثلا من “بورتريه” “شعبيّ متوسّط” فنقول إنّه كان طالبا في تسعينيّات القرن الماضي أو في ثمانينياته وأنّه قرأ للدّكتور عصمت سيف الدّولة رحمه اللّه وأنّه عاش حرب الخليج بكلّ جوارحه وخرج منها باحترام شديد لصدّام حسين رحمه الله وأنّ هذا الإحترام بلغ عنان السّماء بعد إعدامه في يوم كان المسلمون يحتفلون فيه بعيد الأضحى. الشّعبيّ المتوسّط هو إذن ناصريّ-عصمتيّ-صدّاميّ.
هل حزبكم هو حزب النّاصريّين أم أنّه يتّسع لكلّ الذّين يؤمنون بهذه الأمّة ويسعون إلى توحيدها؟ وإذا كنتم ناصريّين فهل أنتم ناصريّون تصحيحيّون نقديّون؟
تكمن أهميّة هذا السّؤال في أنّ الإجابة عليه تؤسّس لرؤية لقواعد العمل السّياسي التّي تختلف عن قواعد الإنتماء الإيديولوجي والجّدل الفكري وهذه الرّؤية هي التّي ستحدّد دوركم في بناء المجتمع السّياسيّ العربيّ الجّديد.
فهناك رِؤية تجعل منكم حزبا جديدا لتيّار قديم وتعيد إنتاج الدّكاكين القديمة والإنقسامات القديمة وهناك رؤية تتميّز بالمرونة والبحث على النّجاعة والفعاليّة.
هذه أسئلة ثلاثة أردنا أن نطرحها على مؤتمري حركة الشّعب طرحا “هادئا وموضوعيّا” حسب تعبير الدّكتور عصمت سيف الدّولة ولعلّنا نضيف إليها سؤالا آخر قد لا تكون له علاقة بالموضوعيّة لكنّ القلب يأبى إلّا أن يسأله وإن أبى العقل أن يعيره اهتماما كبيرا. هذا السّؤال هو: هل سينشد المؤتمرون “بلاد العرب أوطاني” و”واللّه زمان يا سلاحي” أم سيكتفون بنشيد الثّورة خوفا من أن يتّهموا في تونسيّتهم؟
نتمنّى بعقولنا وقلوبنا أن يكون هذا المؤتمر خطوة في طريق بناء الدّيمقراطيّة والعمل الوحدوي.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock