تدوينات تونسية

سؤال الفصل بين الدعوي والسياسي

نور الدين الختروشي
سؤال الفصل بين الدعوي والسياسي غير منتج معرفيا وقد يكون مفيدا اجرائيا…
قد افاجأ بعض الاصدقاء اذا قلت ان تسعة اعشار ما حبر في هذا الموضوع في سياق اعداد حزب النهضة لمؤتمرها العاشر او بعده لا جديد فيه فالنهضة التي اعرفها في الثمانينات فصلت اجرائيا بين دوائر مناشطها وذهبت بعيدا في الجامعة مثلا في الفصل بين النقابي والسياسي وبدأت تتشكل دوائر للنشاط الثقافي على مسافة من التنظيم وعلى ارضية المشروع فبرزت مجموعات موسيقية وفرقا مسرحية تعمل في الفضاء الثقافي الوطني وتتطور في تفاعل مع محيطها تأثيرا وتأثرا… واستقل العمل الدعوي والمسجدي بشيوخه ورموزه على مسافة معقولة من اجندة السياسي…
واذكر انه وان كان الاتجاه الغالب “للعقل التنظيمي” هو التوجس وعدم الارتياح لمنازع الاستقلالية لمناشطنا عن الرقابة التنظيمية الصارمة وهو مفهوم يومها بفعل السرية التي فرضت علينا لعقود فإن منتصف الثمانينات شهدت بداية الفصل الاجرائي والمنهجي بين السياسي والمدني وككل البدايات تأسست على مؤشرات تطور وليس على مقومات رؤية واضحة وارضية صلبة والتي كان يمكن ان تتبلور قبل ثلاثة عقود من الان لو شهد مسار الحركة الاسلامية تطورا ذاتيا وطبيعيا مغايرا وبعيدا عن هاجس الاستئصال وغبار الحروب والمحن…
الاصل اليوم هو مراكمة تلك البدايات على اساس مراجعة سؤال الحد بين السياسي والديني وليس السياسي والدعوي.. وهو سؤال لا يحيل على الفصل المنهجي الاجرائي بل على صداع المقدس والزمني والتمثيلية المباشرة للدنيوي المتنازع حولها وعليها بين سلطة الاخلاق وسلطة المصلحة…
الدهشة والحيرة في افق مغاير لما يطرح اليوم وفي ما طرحه مؤتمر النهضة والذي يحيل على استجابة لمطلب المنافسة على موضوع الحكم والتأهل السياسي للقيام له وعليه باكثر مما يفصح على مسار تطور ذاتي من داخل المرجعية الايديولوجية للاسلاميين.
فارتباك المسوقين لخيار الفصل بين السياسي والدعوي بعد المؤتمر يحيل في الحقيقة على عدم تخمر نظري وفكري لسؤال الفصل مضمونا ومنهجا ومآلا…
ليس ابشع على تطور الثقافي من اعتداء ضغط السياسة على مساره ومخرجاته..

سؤالي هل النهضة تبحث في افق التجديد الفكري ام تستجيب لضغط الضرورة السياسية بالبحث عن مبرراتها من خارج السياق السياسي ؟؟؟
التنظيم يتطور بالقدرة على التفاعل مع يومياته وهمّه الوحدة والانسجام والسيولة والنجاعة والفكر يتطور بالمساجلة مع المرحلة وهمه الابداع والتجديد والمراكمة والاستباق التاريخي وبين المسارين يقضم جوع الضرورة السياسية ما يهمه لينجز الاقصى من الملموس والممكن…

ستحتفل السياسة “بعيد استقلالها” في تونس الجديدة لو يفصل اليسار بين السياسي والنقابي مثلما فصلت النهضة بين الدعوي والسياسي..
مجرد ملاحظة في سياق.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock