تدوينات تونسية

الزّطلة مهر ترويض الثورة

أيمن عبيد

لطالما ترسّخت عندي قناعة، بأن رئيس الجمهورية الحالي السيّد الباجي قائد السبسي من أدهى دهات السياسية وأكثرهم تمرّسا ومكرا وخديعة. وما اطلاقه لوعد الغاء عقوبة استهلاك “الزطلة” في هذا التوقيت الحسّاس ومن منابر قناة نسمة بالذات (المرصد الذي اطل منه طويلا على قصر قرطاج قبل ان يطأه) الا “ضربة معلم” و طوق نجاة متين يمدّ به حزبه المحاصر، فيرتق به شقوقه ويداوي به جراحه، وكمّاشة يكبّل بها ألدّ خصومه، حتى يكون على أهبة الاستعداد ومن معه لإنشاب براثنهم في الانتخابات البلدية والمحليّة.

فكيف يمكن ان تكون هذه الفرقعة الاعلامية المدروسة وتجميد القانون 52 تمهيدا لأرضيّة خصبة، تجدّد فوقها العهود وتعقد الأحلاف؟؟ وما هي انعكاساتها العميقة على اللّعبة السياسية في البلاد؟؟

إلغاء العمل بهذا القانون الذي سيصحبه جعجة اعلامية ضخمة سيكون له تأثير واسع وردود فعل مختلفة في اوساط واسعة من المجتمع:

1. بارونات التهريب و ميليشيات الترويج:
الذين يمثّلون أكبر مستفيد من هذا الإلغاء، والإعلان المبكرّ عن نيّة المضي فيه وامكانية تجميده من خلال مجلس الامن القومي سيعطي فرصة وفسحة زمنيّة للتفاوض وابتزاز هذين الطرفين القويين وضمان ولائهما للقايد السبسي الابن والأب.
فمن ناحية فإن بارونات التهريب ذوو ثقل مالي مرعب ويملكون شبكة من العلاقات الدولية المتشعّبة وطابور خامس ضخم من رجالات الدولة المفسدين يتحرّك تحت امرتهم. سيضمنون دعم دوائر متنفذة في اجهزة الدولة يقوّي بها البجبوج اركان حكمه خاصة في ضلّ الصراعات الداخلية العنيفة التي تشهدها تلك الأخيرة وتغطية مصاريف حملته الانتخابية.
ومن ناحية اخرى شبكات الترويج ستوفّر خدمات شبكات كبيرة من الكناترية واللّحّامة والباندية، الذين يتّسمون بالشراسة والعنف وصيتهم الذائع في أحيائهم ومناطقهم وهيبة الناس منهم، ممّا يجعل هذا العنصر محوريّا في ترجيح الكفّة، فستكون للعضلات المفتولة اليد العليا في الحملات الانتخابية وخاصة يوم الاقتراع كعامل ضغط وترهيب للمواطنين ومحرّك لعملية التزوير و”الورقة الدوّارة”.

2. اعلان عهد الأمان للمدمنين:
وهم ضحايا الطائفة الاولى ولكنّهم سيدافعون بشراسة عن هذا المكتسب الذي سيأمّنهم من خوف ويبعد عنهم هاجس السجن وستتضاعف أعدادهم. وسيوفّرون بذلك مخزون انتخابي ضخم يغطّي اهتراء شعبيّة النداء وينتصر الى نمط يزداد انفتاحا ضدّ طرف محافظ لربّما يعاود ارسالهم الى “بو فردة”.
كما ان وفاءه بالعهد وتحقيقه أهمّ وعوده الانتخابية وأكثرها صدى لدى شرائح عريضة من الشباب المستهلك الذين ينتشرون بالأساس في الأحياء الشعبية والمناطق الحدودية سيكون بمثابة إتّفاقية مهادنة مع الفئات والمناطق الساخنة الأكثر إحتجاجا.

3. مداهنة الثقافة البديلة (contre-culture):
وبغض النظر على التفشي المرعب لهذه السّموم في ربوع البلاد فانّ هذا الإدمان الجسدي والنّفسي يقابله إدمان فكري هو نتاج عصر العولمة المتوحشة.
فقد تسلّلت الى بلادنا في العقديّة الأخيرة حركات فكريّة وثقافيّة دخيلة هي الأكثر انتشارا بين شبابنا، تنزل مخدّرات “الماريخوانا” و”الكنابيس” منزلة القداسة، فتستعملها كرمز للحريّة والتعايش السلمي وقبول الآخر وكوسيلة للالهام وكشعار لكسر قيود سلطة المجتمع والعرف والشرع.
وهذه نقطة إلتقاء كل ما يسمّى بالثقافات الإحتجاجية culture contestataire، سواء حركة “الهيب الهاب” أو “الراستامان” اللّتين إجتاحتا العالم آتيتين من ضفاف القارة الجديدة، يروّج كلاهما لعبارات من قبيل: “قنّنها” (legalize it) “أدخن القنّب الهندي يوميا” (smoke weed every day)، فنجدها حاضرة في اشهر قطعها الموسيقية ورسومها التشكيلية الحائطية (Graffiti) وتتخذ صورة ورقتها شعارا وراية وتعتبرها أحد محاور نضالها التحرّري وهدفه الأساسي “الحبّ والسّلام” (love&peace) في العالم والذي يشار اليه عندهم برفع السبّابة والوسطى معا في شكل حرف “V” وهما الإصبعان اللّذان يمسكان سيجارة الحشيش.
ويتجلّى هذا في تونس في أشهر اغاني الراب والريقا مثل “الزكاتاكا” و”سيب اللعبة” و”حوماني” “مزاطيل” الخ…
وكذلك شأن ثقافات الفيراج من عقليات إلتراس (ULTRAS) وبارا برافا (Barra Brava) والتي تنشد على سبيل العدّ لا الحصر “مش لازم التحليل ياو رانا موتى”.
واسترضاء هذه الحراكات الشبابية ذات الاشعاع الواسع كفيل بتحييدها على الاقل من معادلة تأليب الرأي العام المتذمّر.

4. شباب الثورة والمنظمات الحقوقية:
كلّ المنظمات الحقوقية الأمميّة والمحلّية لا تستصيغ عملية التحليل وطالبت مرارا بالغائه واستجاب القايد السبسي لهم بعد جدل دام أكثر من 5 سنوات سيكون في اطار تلميع صورته وحزبه كمنظومة تحترم حرمة الانسان الجسدية.
ولا ننسى بان أوّل من أثار هذا الموضوع ومطلق حملة “سيب اللعب” هو احد ابرز مساندي حملة “سيب صالح عمار 404” بل واحد اشهر الأوجه الاعلامية للثورة وناشطي الفايسبوك، أصغر كاتب دولة في التاريخ التونسي،
المدوّن سليم عمامو عندما طالب وزير الداخلية بايقاف العمل بهذا القانون الجائر، وهو المعروف بصلته بمنظمة أنونيموس ومخابرات احدى الدول العظمى.
ومنذ ذاك تواترت الحملات الاعلامية والوقفات الاحتجاجية في هذا الاطار وكان يتقدّمها ابرز شباب الثورة (هيثم وثامر المكي، عزيز عمامي، لينة مهني، بو حريزي…).
ونجوم الاغنية الشبابية (كافون، حمزاوي، ولد 15…) الذين اعتبروا ان تجريم الزطلة قانون زجري قمعي يهدف الى الحدّ من حرية الفكر والتعبير عند الشباب وبطاقة ايداع تحت الطلب تطلق في حق كل من تجرّأ على نقد النظام القائم.
وأمثال هؤلاء هم ملوك الفضاءات الافتراضية ولهم متابعون بالملايين.
فان اجتمعت كل هذه العناصر: البانديّة، الحوم الشعبية والمناطق المنكوبة، شباب الراب والفيراج والنشطاء والمدوّنون. فنستطيع اختصارها كلّها في كلمة الثورة ونعتبر على ضوء ذلك الزطلة، مهر تهجين وترويض النظام القديم للثورة الفتيّة.
وللتذكير فقط فالعناصر السابق ذكرها هي التي اطاحت بنظام بن علي وحكومة الترويكا على حدّ سواء.

5. تصديع الجسم المحافظ:
وامّا بالنسبة للطرف المقابل ممن يعارض استهلاك المخدرات، من اسلاميين و محافظين (الذين هم قواعد حركة النهضة او متعاطفون معها) فان مرور مشروع القانون الجديد سيغذي الاحتقان في صفوفهم وسيصيبهم بخيبة أمل وسيساهم في تعميق الفجوة بينهم وبين قيادتهم. بل قد تكون ضربة موجعة تتسبب في انجراف رهط كثير من قواعد حركة اسلامية تقنّن المخدرات.
فالسّائد انها حكومة النهضة والنداء، و”الحسنة تخصّ والسيئة تعمّ”.
ولذلك فكما انّ مجاورة الوحوش تستوجب اليقظة والكياسة، فانّ التعامل مع هذا القانون لا يتحمّل طيبة ولا سذاجة ولا سطحية خاصة ونحن على مشارف محطّة تاريخية وأوّل انتخابات بلدية ديموقراطية للبلاد التونسية.

#أيمن_عبيد
#جمعية_التواصل_و_النماء
#صحبة_صالحة_نصيحة_صادقة_و_مشورة_خالصة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock