مقالات

التكاثر، السورة المكية التي حاورت المسرح الحر

ليلى الهيشري
استوقفني برنامج في احدى قنوات والذي طرح الجدل القائم حول اقتباس جزء من آية قرآنية كعنوان لمسرحية، “ألهاكم التكاثر”.
وفي سياق الحوارات المطروحة والأسئلة التي لم تلق إجابات ضافية، لم أستطع حقيقة فهم ما يريده المسرحيون وما يصبو إليه الأئمة! لأني بمجرد سماع الأطراف المتحدثة باسم الفن والدين، لم أرى سوى مجاملات إشهارية تستهدف الرأي العام ودفاعات عليلة لا ضرورة لها! لكني استطعت تكوين فكرة عامة قد تلخص تلك الزوبعة التي لم تتخط الفنجان للأسف، وهي كالتالي:
– الإسلام ليس للمزح والاستهزاء، ولم يوظف في سياقه الطبيعي وهو ما جعل السيد نجيب خلف الله مشكورا يتفطن إلى هذه النقطة ويغير من العنوان لإنهاء هذه المشاحنات المنتظرة والفرص المغتنمة من صائدي المناسبات والأخطاء، خاصة وان ألهاكم التكاثر لا تعني (fausse couche) وهذا العنوان باللغة الفرنسية زاد من إحساس المواطن بانصراف نية المخرج نحو التعريف بمسرحيته من خلال خلق الـbuzz  وهو ما تم تكذيبه من خلال تغيير العنوان.
– المسرح هو أبو الفنون، هو روح الحرية هو ما تريدونه أن يكون فهو مجال فني يجب أن يحتفظ بخصوصيته وحريته بالابتعاد عما يمس من قيمته الإبداعية أو بتجنب التطرف الذي يقضي بفتح كل الأفاق أمام العمل الفني دون الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الرمزية لمجال آخر، ولا ننسى أننا في تونس.
– أخيرا، احيي سي نجيب، الذي ينتمي إلى ثلة قليلة من المخرجين التونسيين الذين سمحوا للتونسيين بالعودة إلى الكتاب المقدس وفتحه في الصفحة التي وجدت فيها الآية القرآنية وهي آية موجودة في سورة التكاثر، والتي تتحدث على مساوئ التفاخر بالمال والبنين والجاه والمراكز وكلها إلى زوال بعد ذلك فمن باب أولى واحرى البحث عن ضمان الآخرة بنفس الطاقة التي تبذل في ضمان الدنيا، فهي بادرة طيبة مكنت الجيل الصاعد في المجال الفني الذي يجهل تعاليم  الإسلام والدين عموما من خلال جملة من  التصريحات المزيفة، مما جعلهم غير قادرين على الانفتاح على مبادئ الإسلام بطريقة علمية صحيحة، وتجعلهم في المقابل غير قادرين على استيعاب النسق الحقيقي للحياة من خلال تلك الشعارات الفضفاضة باعتناق الحرية المطلقة وما إلى ذلك من فنون الإطلاقة الهادرة التي أسقطتهم في مطبات التهور غير محسوب العواقب.
أتمنى على الأئمة والمسرحيين ممن أرى فيهم اعتدالا محبذا، يلامس الواقعية المطلوبة أن يتدبروا حوارات مع الشباب والأجيال الصاعدة والمدمغجة دينيا وفنيا، فالتنوع وان كان روح الإبداع فهو بعيد كل البعد عن التعصب الذي لم يكن عنوانا ناجحا لأي بناء حقيقي عبر السنين.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock