مقالات

ألهاهم التكاثر عن الإبداع

رضا بالحاج
نعم.. (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر)
الخبر: عرضوا معلقة اشهارية لمسرحية محتواها صور نساء ورجال وعنوان مقتبس من سورة قرآنية (ألهاكم التكاثر) والمهم ما دار حول المسألة من حديث:
إن الأمراض التي تتراكب في العلمانيين في تونس تفقدهم التوازن والصواب وتجعلهم في عين الكبار محلا للشفقة وفي عيون الصغار هم محل شماتة.
أقول وعن دراية تفصيلية بالأمر ومعاشرة لهؤلاء القوم، نعم (ألهاكم التكاثر).. تحيون وتموتون وما يهلككم إلا رب الدهر.. وبين هذا وذاك لو اتبع الحق أهواءكم لما كانت سماوات ولا أرض ولا من فيهن.. ولكن لا بأس لا بد من مدارتكم.. و متسع الشفقة عليكم والعفو.. وسعة البال.. والأخذ بيدكم.. أقول والمعذرة عن الصدمة هم تحت خط الفكر بالتأكيد وهم دون الرشد بالملموس فهم حين يتناولون أفكار الغرب ـوهم لا يملكون غيرها ولا يبتغون عنها حولاـ لا يتناولونها بطريقة فكرية.. بل منقولات وقوالب ومعلبات ولوكا واجترارا وترديدا مع قهقهة الفرح غير المسرور، بخلاف العلمانيين في الغرب فإنهم يحللون أفكارهم ويناقشونها ويستدركون ويتراجعون حين تجب المراجعة مراعاة لواجب الصدق مع أنفسهم ويراعون الفارق بل الفويرقات ولا بأس عندهم من بديل مرتقب لما يتبنونه لذلك تجد فيهم أشدّ وألدّ منتقدي الحضارة الغربية وهم في صلبها وعلى كثير منهم سمت التواضع.
أما العلمانيون عندنا فخصمهم اللدود الوحيد هو الدين.. هو الإسلام ظانين أن هذه العداوة لازم ومدعاة للقبول عند “الأسياد” في الغرب.. حتى لا يعتريهم الحياء والخجل (لا قدر الله) وهم ينظرون في عيون الأسياد.
لذلك لا ترى لهم وهم الذين حكم فكرهم لعشرات السنين وهم المسنودون بالبراميل المتفجرة.. لا ترى لهم ابداعا فكريا ولا فنيا، لا انشاء ولا ارتقاء.. بل تراهم ينتحلون صفة الفن زورا وبهتانا متبجحين مقهقهين، ونحن نقول لهم هاتوا “انتاجكم”، هاتوا ما يمكن أن يوصف بالمتفرد السابق لعصره.. لا شيء، هاتوا ما يبقى بعد تصريفات الدهر “خالدا” لا شيء.. بل هاتوا ما يواكب ـحقا وصدقاـ مجتمعاتكم في همومها وفي ما سبقتكم إليه من انتفاضة ضد الظلم والاستعمار.. لاشيء.. إلا مستعجلات ومغلفات.. ومتبخرات، هم فقط يضاددون بصفة الفن والفنان في صخب شديد ثقافة أمة معطاء بأكملها وزاعمين التأسيس والبديل والبشارات العلمانية.
مساكين ورب الكعبة.
حالة نفسية متشرذمة لا تكاد تلتئم.
عقدة انهزام في مظهر تفوق.
نعم في الحضارة الإسلامية متسع عفو مع الأدب والفن بما هو مجاز وتورية واستعارات واشارات ودلالات عاش بذلك المسلمون فازدهر فيهم حتى شعر الغزل وجعلوا كتابة قرآنهم بفن وتلاوته بفن وازدهر فيهم الفكر والفقه. فكانت المراسلات وكانت المناظرات وكانت المناهج والمذاهب شتى وأقر الفقه نفسه تأصيلا بامكانية الإختلاف وحق الإختلاف في الظنيات وما أوسع دوائر المباحات.
ولكن ضاقت دوائر العلمانية في بلدنا ليصبح مفهوم الثقافة شاملا كل شيء إلا الفكر.. يشمل كل شيء إلا مبدأ الأمة ومنهجها.. ليصبح مفهوم الثقافة مجرد انتصاب فوضوي معربد يجمع بين الغربة والغرابة.. رقصا حد الترنح وكفى. ومن تمام ضعف أدعياء الثقافة هؤلاء أنهم على درجة من بذاءة القول تصدمك.. لا يملكون إلا السب والشتم غرورا تسع أعشاره آت من كونهم محظوظين.. محضونين ضمن السائد المهيمن الغربي.. الكفيل الوكيل الذي يتشبهون به وهو لا يبالي بهم إلا خدما صغارا مؤقتين لا يفرح بهم إلا بمقدار نكالهم وهزئهم من أمتهم.
عصافير على السطوح يقفزون وينطون ويطلون على الأجساد المتساقطة أثوابها..
لذلك ألهاكم تكاثر الوهم وتكاثر العقد والأمراض وتكاثر الخوف من زيارة القبور.. ألهاهم التكاثر عن قليل من الرشد والتصالح مع الذات فطرة وانتماء.. ألهاهم التكاثر عن الإبداع ضمن مشمول أمتهم أولا وضمن مشمول الكون ثانيا.. ويبدو أن الأمر سيتمادى حتى يزوروا المقابر..
(كلا سوف يعلمون)
أين هم من قضايا الأمة؟ من التحرر من الإستعمار؟ أين هم من وحدة الكيان؟ و كرامة الإنسان؟ وإدانة الجبروت والطغيان؟ اين هم من فطرة الإنسان وفطرة الأكوان؟ أين هم من الصدق قبل الحق؟ أين هم من قضايا المصير؟ إلا تهريجا ولغوا نمر به ولا ننزعج بل نقول سلاما ونمضي كراما ونعتذر لأبي القاسم الشابي وقليل من الأخرين! ونعتذر للأحفاد من مضيعة السنين.
على فكرة: لا بأس من الإقتباس في العناوين إذا كان للإقتباس معنى وفيه بلاغة. حتى لو كان الإقتباس من القرآن الكريم.. المسألة ليست هنا بل في هؤلاء المهرجين.
أخيرا نقول؛ قضيتنا معكم شفاؤكم أولا فالمرض إذا أزمن صار عضالا.. شفاؤكم من عقدة تفطن إليها العبقري ابن خلدون (المغلوب مولع دائما بالإقتداء بالغالب) وعالجها العبقري تقي الدين النبهاني.
وبالله بالله إذا وجبت عليكم المواجهة الفكرية (ما تلعبوهاش فنانين) وتقهقهوا تلك القهقهات الفارغة، فالتمثيل على الركح فقط.. وفيما علمت وأكده النقاد أنتم فيه من الفاشلين.. مع الإعتذار لكبار القوم الصادقين.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock