تدوينات تونسية

الرّفيق الالماني الحارس للتجربة التونسية الفتيّة

أيمن عبيد
زيارة رئيس الحكومة للجمهورية الإتحادية الألمانية وموقفها من الثورة التونسية:
مازالنا منذ أيّام كغيرنا من شباب الجالية التونسية المقيمة في ألمانيا نتابع بشغف أخبار زيارة الوزير الأول التونسي يوسف الشاهد وما رافقها من تصريحات وتأويلات وتفاعلات وطريقة تناولها والترويج لها إعلاميّا، عسانا نوفّق الى فكّ رموزها وفهم فحواها. وبما أنّ القاعدة الغربية الأشهر للسياسات الدولية تقول:
“ليس للدول سياسات خارجيّة، انّما للدول سياسات داخلية لها مصالح في الخارج”.
فقد حقّ لنا التساؤل: ما عسى الألمان ان يريدوا من بلد صغير كالحبيبة تونس؟ وما هي محاور الشراكة الثنائية وآفاقها؟ ومن هم مساندوها وأعداؤها في الداخل والخارج؟
ومن هنا انطلقنا في قراءة الموقف الالماني التي اعتمدنا فيها بالأساس على تصريحات السيدة أنجلا ماركل والتقارير الرسمية للحكومة الاتحادية، فاذا بنا نفاجأ بحفاوة مبالغ فيها ومدح واعجاب وتقدير هو أقرب الى غزل الحبيب او مداعبة الرّضيع.
وقد أكدت المستشارة الألمانية على اعتبارها هذه الزيارة زيارة عمل بأتمّ معنى الكلمة وأنّ بلادها تتطلّع الى شراكة شاملة وتعاون ثنائي على جميع المستويات ولذلك ستشتمل على مجموعة من اللقاءات المراطونية بين وزراء الاختصاص من الحكومتين.
ثمّ انّها وان تجنّبت قصدا بإحساس دبلوماسي مرهف إستعمال تسمية الثورة (أمام ممثّل لمنظومة قامت الثورة بالأساس ضدّها) الاّ أنّها اعتبرت تلك اللّحظة التاريخية (الثورة) نقطة مفصلية في تطور العلاقات الالمانية-التونسية بل وقالت بصريح العبارة أنّ بداية الإنتقال الديمقراطي مثّل للألمان “فرصة” لمعرفة تونس أكثر (التي كانت قبل ذلك تقتصر صورتها في مخيلتنا نحن كونها مكان لقضاء العطل). و للقارء بين السطور ان يسمع صوتها صارخا مجلجلا؛ بل هي فرصة ننتظرها منذ أجيال وأجيال، منذ زمن نابوليون الثالث، لكسر طوق النفوذ الإمبراطوري الفرنسي الذي قيّد القارة السمراء وأسواقها ومواردها فاستأثر بها لنفسه وأغلق بوابتها الشمالية في وجوهنا.
وقد يكون تلقّف تلك اللقمة السائغة التي تهمّ في التسلّل بين براثن الهيمنة الفرنكفونية والحلم التوسّعي الالماني هو السبب الرئيسي الذي يدفع بالألمان للنزول بثقلهم والتطلّع الى لعب دور الرّفيق الحارس لهذه التجربة الفتيّة الّتي أمامها طريق طويل مليء بالمصاعب والتحديات.
وعلى ضوء ذلك اعتبرت الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZZ) المفوضة من الحكومة الاتحادية بهذا الملفّ ان النهوض بالمناطق الداخلية وتوفير فرص عمل للشباب العاطل المحور الاساسي للمباحثات.
وفي هذا المنحى كان المقترح الألماني يتلخص في ثلاث نقاط:
1. الاستثمار:
– وعدت بان تكون لتونس حصّة متميزمة من خطّة التنمية الاقتصادية للقارة الافريقية التي ستطلقها مجموعة قمّة العشرين برئاسة ألمانية.
– ومن جهة أخرى أشادت بشروع الدولة التونسية في تطوير الأطر القانونية للاستثمار التي هي خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح.
2. التكوين:
– المساعدة في توفير خبرات ودراسات لتطوير سياسة التعليم والتكوين وتعديلها حسب ما يتناسب مع حاجيات سوق الانتاج.
– حث الشركات الألمانية الموجودة في تونس على بعث مشاريع التكوين المزدوج (DUAL) الذي يجمع بين التكوين المهني والدراسة الجامعية في آن واحد وهو نموذج الماني ناجح جدا.
– توفير تربصات في ألمانيا لليد العاملة المختصة والكوادر التونسية.
– تفعيل مشروع الجامعة الألمانية التونسية.
3. تعزيز التعاون الامني:
المساعدة في الوصول الى مناخ من الاستقرار الذي من شأنه ان يسهل عملية النهوض بالاقتصاد وخاصة بقطاع السياحة.
وأمّا بالنسبة لموضوع اللاجئين فقد تطرقت له بسرعة واعتبرته ثانويا اذ ان تونس ليست الطرف المعني فيه بالاساس (ليبيا) بل واثنت على الجهود التونسية في المقاومة الناجعة للهجرة الغير الشرعية، فرحلات الموت المنطلقة من شواطئها لا يتجاوز الواحد بالمئة من مجموع ما يصل نحو اوروبا، واما المهاجرين التونسيين الغير شرعيين المتواجدين على اراضيها لا يتجاوز عددهم 1500 (في بلد استقبل قرابة مليون لاجئ في سنة واحدة) واقترحت توفير اعانة مالية وفرص للتكوين لمن ارتضى منهم العودة طواعية واما من يرفض فسيقتضي ارساله قصرا.
كما نفت نفيا قطعيا مسألة معسكرات استقبال وتجميع اللاجئين على الأراضي التونسية.
وقد صدمنا صراحة بالتناول الاعلامي التونسي الذي صوّر هذه النقطة الاخيرة والتي لم يتجاوز ذكرها اجابة على تساؤل صحفيّة، على انها بيت القصيد وموضع البحث واوغل في الكذب والتلفيق في عملية تضليل قذرة للرأي العام التونسي والذي اختلطت في ذهنه مسألة العودة بين الارهابيين واللاجئين. وما هذا الا تأكيد على وفائه وتبعيته لسادته الفرنسيين وعدائه لكل داعم للثورة التونسية، فبعد قطر وتركيا حان الان دور المانيا للشيطنة والافتراء. ومن ناحية اخرى فقد ابدع في اختلاق بطولات وهمية للفارس الهمام حامي الحمى والدار والنفخ ولي العهد السيد رئيس الحكومة الذي لم يرضخ لا لترهيب ولا لترغيب واستمات في الدفاع عن استقلال قرارنا وسلامة اراضينا وضرب بوعد الالمان ووعيدهم عرض الحائط فكفل للتونسيين كرامتهم واعاد لهم عزتهم وعاد فرحا منصورا.
والحق يقال ان مردود السيد يوسف كان جد متواضع فقد بان عليه الارتباك والتوتّر والتشنّج وغاب عن اجاباته الابداع والقدرة على المناورة والاقناع فـ”كان حافظ درسوا” يتلكّؤ في قراءة ما كُتِب له، غير ملمّ بالبروتكولات، لا يعرف من اين الدخول ولا الخروج، او في اي جهة يقف خلال التقاط الصور امام علم بلاده ام علم البلاد المستضيف، فكان حملا ثقيلا على نظيرته تأخذ بيده وتدلّه بكل رحابة صدر.
ثمّ يأتي ليخرّب قطعة دراميّة وجوقة فنّية، كانت كفيلة بامتصاص إحتقان خلق كثير من الأوروبيين والألمان وملئ أفئدة خاوية جريحة بمشاعر التعاطف والتعاون والإيخاء ومسح الشيء العظيم من ترسّبات فاجعة برلين من العقول والألباب. الاّ أنّه ورغم الاعداد المحبك للمسرح وحضور كلّ عناصر التراجيديا اللازمة من قصّة وفكرة وأغنية وبيان وشخصية اولى (ماركل؛ قامت بدورها في غاية من الاتقان وكادت ان تسكب شيئا من الدموع) ترشّح المشهد لدخول التّاريخ، فقد كان مجرّد ظهور شخصه الكريم الفاقد لأبسط أبجديات التّواصل الفعال او حتى التعامل الانساني بشيء من الإحساس، فيه سببا لإفشاله. فيتقدّم لوضع وردة في البرايتشايد بلاتز فيحملها منكّصة نحو الارض متمايلا شارد الذهن والبال في موضع يفترض الخشوع والتركيز وقد يعود هذا لقلة الخبرة وليس عليه من ملام فانما العلم بالتعلّم والحلم بالتّحلم.
جمعية التواصل والنماء في مدينة كولن
#أيمن_عبيد
#جمعية_التواصل_و_النماء
#صحبة_صالحة_نصيحة_صادقة_و_مشورة_خالصة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock