تدوينات تونسية

أقول لحمة الهمامي ربي يهديك إلى المشترك الوطني

الأمين البوعزيزي
إلتقيت حمة الهمامي في أول زيارة له إلى سيدي بوزيد عام 2011 ورأسه عاليا مرفوعا بعيدا عن عذابات الملاحقات والسرية.
قبلته في جبينه وقلت له: حمة أنت لست حكرا على رفاقك؛ أنت رصيد رمزي لكل المناضلين.
سألني عن بئر الحفي وقال: “والدي دائما يحدثني عنها فهو أصيل برّ قبيلة الهمامة”.
قبيلة مجال استقرارها الرئيس ما بين ولايتي سيدي بوزيد وقفصة.
قبيلة تعود أصولها وهجراتها الأولى من الجزيرة العربية (مازال الهمامة حد اليوم ما بين “السعودية” واليمن)؛ نزح بعض منها ضمن الهجرة الهلالية إلى صعيد مصر (مازال بعض منهم اليوم بالصعيد في بلدة الهمامية موطن المناضل والمفكر الديكولونيالي عصمت سيف الدولة طيب الله ذكره). واصلوا هجرتهم نحو بلاد المغرب زمن الخلاف بين الفاطيين في مصر وحاكم إفريقية (تونس) الذي أعلن ولاءه للخلافة العباسية في بغداد.
انتشر الهلاليون في تونس ووصل بعضهم حتى بلاد المغرب الأقصى؛ استقر بعضهم هناك وعاد آخرون إلى الجزائر وتونس لاحقا… كان من ضمن هؤلاء قبيلة الهمامة.
عرفت ببداوتها الشديدة ومراسها الحربي الصعب حتى أن البايات خلال العصر الحديث كانوا يصرون على مخزنتها أي عقد تحالف معها (امتيازات) لترويضها والرهان على خدماتها الحربية وفي أدنى الحالات تحييدها أثناء الصراع بين شقوق البايات أو صراعهم مع بقية القبائل.
زمن الإحتلال الفرنسي سارع أحد مشائخها (احمد بن يوسف اليوسفي) الذي كان في خطة “ڨائد” (يقابلها اليوم خطة والي/ محافظ). إلى الدعوة إلى الجهاد دفاعا عن البلاد وأشرف على تنظيم مؤتمر سبيطلة الشهير 1881 إلتقى فيه مشائخ الهمامة وماجر والفراشيش وجلاص وإعلان المقاومة. وقد وصلت عمليات إستهداف عساكر المحتل الفرنسي إلى جبال زغوان وباجة.
وذاك بعض ما يفسر تواجد لقب الهمامي بكثرة في كل بلدات الشمال الغربي التونسي؛ مضافا لها الهطاية (نزوح بعض العائلات لحصاد القمح والشعير. فبلاد الشمال الغربي هي مطمور روما زمن السيطرة الإمبراطورية الرومانية).
وهظاكا علاش الشمال الغربي مشهور بأغاني المنسيات الشهيرة التي تمثل عصارة إختلاط النسيج المجتمعي في البلاد التونسية اليوم.
قبيلة الهمامة شكلت خطرا على إستقرار كل نظام فشل في استيعابها أو تحييدها… وهذا ما يفسر ضخامة عدد خلايا التجمع في كامل الولاية بنية المراقبة عائلة عائلة. لكن ساعة الثورة قاطعه تجمعيو الولاية ولم يدافعوا عنه مكتفين بمراقبة الأحداث ولم يحملوا الهراوات في وجه المنتفضين كما صنعوا زمن بورڨيبة.
قاوم الهمامة بشراسة الإحتلال الفرنسي وعدد شهدائها وملاحمها يشهد بذلك.
قاوموا بورقيبة ورفع بعض أبنائها في وجهه السلاح في عملية قفصة 1980.
جاهروا بعداء نظام بنعلي منذ شهر جانفي 1990 في انتفاضة الفيضان لما هاجم أبناء مدينة سيدي بوزيد مقر الوالي التجمعي وهددوا بحرقه وسحلوا أحد الإعلامجيين القوادين…
وقادوا بواكير ملحمة 17 ديسمبر 2010 التي أطاحت برأس نظام الإبادة والإذلال النوفمبري. وكان الفنانين العظيمين رضا الماجري ومحمد بحر يقاتلان بالكلمة والعود: بوزيد قالت لا لا وتفرزت الرجّالة… بوزيد قالت لا لحقرة الرجّالة… مازلت يا بوزيد فارس الخيّالة والجازية (الهلالية) حبّالة وتجيب في الرجّالة…
إلتقى الحاج الشهيد العروبي محمد البراهمي الهمامي ذات إجتماع سري فور إندلاع ملحمة 17 ديسمبر بالمناضل اليساري عبد الرزاق الهمامي رحمه الله كان يستنفره لفعل شيئ لمؤازرة ولاية سيدي بوزيد المحاصرة قائلا له: سي عبد الرزاق أنسى اني قومي وأنك ماركسي اليوم الهمامة تحت القصف” (رحمك الله حمة العظيم ?).
حاصيلو؛
رحم الله المؤرخ الماركسي العظيم رؤوف حمزة الذي قال لما حاوره إلاعلامي القدير المناضل عادل الثابتي عن فهمه لجوهر 17 ديسمبر أجاب: ثورة وقودها ذاكرة مجروحة توارثها الأحفاد عن أجدادهم الأبطال الذين أهانهم بورڨيبة…”.
(توضيح للمغرضين: والدي همامي من بوزيد وأمي فرشيشية من القصرين/ مضمض أنا وحدوي عربي بأفق كوني؛ ولست قبليا؛ والهمامة كنفدرالية وليسوا اثنية عرقية).
————- رحم الله والد المناضل حمة الهمامي الذي لبى داعي ربه؛ الذي جرنا إلى كل ما كنتم تقرؤون.
أحر التعازي نرفعها إلى حمة الهمامي وأقول له ربي يهديك إلى المشترك الوطني (المواطني الإجتماعي السيادي المقاوم) وفك أسْرك من قبضة المشبوهين نشأة ومآلات… آمين.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock