تدوينات تونسية

المثّقف و السياسي

سامي براهم
معضلة المثقّف عندما يكون سياسيّا أنّه أحيانا يستسلم لمنطق المعرفة القائم على التشخيص والتحليل وعدم المجاراة والمناورة والمراوغة في عرض أفكاره وقناعاته وتصوّراته، لأنّ صاحب المعرفة ليس معنيّا كثيرا بعمليّة التقبّل إلا في حدود التواصل المعرفي
في مقابل ذلك ينشغل السياسي بالنجاعة والنفعيّة في التواصل بشكل يمكّنه من البقاء والانتشار والفاعليّة والإقناع والتّأثير والإشعاع وكسب الأنصار وتحييد الخصوم أو تبكيتهم عن طريق ثقافة الحجاج والسّجال والجدال ولو على حساب الحقيقة المعرفيّة.
السياسي الشّريف والنّاجح هو الذي يوازن بين النفعيّة والمبدئيّة، بحيث لا يُفقِدُه التعبير عن المبدأ والصدقيّة في عرض أفكاره مصداقيّته السياسيّة التي لا تقوم فقط على المبدئيّة والصدقية في التعبير عن الأفكار المنسجمة معرفيا ولكن كذلك على النّجاعة التواصليّة ومراعاة تفاوت وعي التقبّل بين فئات المجتمع وكذلك تربّص المتربّصين، وفي اللغة والمعجم عدد لا حصر له من إمكانات التّعبير حسب اختلاف المقام والسّياق.
فشل الكثير من السياسيين لأنّ خطابهم ورؤيتهم وتحليلهم للواقع يعكس فقرا معرفيّا ومنهجيّا لذلك انزاحوا إلى السطحيّة والشعبويّة والدّيماغوجيا والدّعاية والإسفاف أحيانا لتغطية ذلك النّقص الفادح في ثقافتهم ومعارفهم وقدرتهم الذهنية على استيعاب حراك الواقع وتطوّراته واستشراف المستقبل.
كما فشل الكثير من المثقّفين لأنّهم تعاملوا مع الفعل السياسي بسلطة صاحب المعرفة وانبروا يسقطون قناعاتهم وتصوراتهم على الواقع كأنّها حقائق مطلقة حتميّة ولم يستوعبوا أن الواقع متغيّر خاصّة في المنعطفات التاريخيّة التي تفتح الباب لتحوّلات نوعيّة من داخل أنساق المجتمعات لا بفعل قوانين تغيير جاهزة.
السياسة العصريّة اليوم هي مهارة التّاثير في الواقع في الاتّجاه الذي يجسّد المصلحة العامّة، وهي مهارة يتداخل فيها عنصر المواهب الشخصيّة والتّجربة الإنسانيّة والرّصيد الثقافي والمعرفي،
بهذا الشكل يكون تزاوج الثقافة والسياسة ثراء للثقافة وللسياسة على حدّ سواء.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock