تدوينات تونسيةمقالات

من هو الوطني الديمقراطي ؟؟!!!

زهير إسماعيل
استوقفتني تحفّظات وفد المعارضة السوريّة المسلّحة إلى أستانة، ومنها تأكيد الوفد على أنّه لن يكون هناك اتّفاق ما لم يلتزم النظام بوقف إطلاق النار.
ولكن الأهمّ من كلّ هذا هو ما اعتبره الوفد اعتراضات جوهريّة وفي مقدّمتها الاعتراض على “علمانيّة الدولة”. والطريف ليس الاعتراض في ذاته وإنّما البديل الذي تقدّم به وفد المعارضة.
ومن المهمّ الإشارة إلى أنّ قائد وفد المعارضة المسلحة هو محمد علّوش قائد جيش الإسلام وإلى جانبه قيادات من فيلق الشام وفصيل صقور الشام ولواء شهداء الإسلام/داريّا، وتجمّع فاستقم كما أمرت….الخ.
واضح أنّ التعارض القائم بين “العلمانيّة” و”الوطنيّة الديمقراطيّة” في السياق السوري هو تعارض بين التبعيّة والاستقلال وبين الاستبداد والحريّة وبين الدكتاتوريّة والديمقراطيّة. ففي السياق السوري صارت العلمانيّة عند عامّة الناس هي تجربة نظام آل الأسد الاستبدادية (معها صار البعث لا يساوي إلا شيئا واحدا هو حكم العسف والقهر والمخابرات).
ذكّرني هذا بنقاش كان يدور بيننا في مرحلة الاستبداد حول موضوع العلمانيّة، وكانت بعض القيادات الإسلاميّة في المهجر لم تتخلّص بعد من عبارة “التغريب” في نقدها للنظام في تونس حتى في مرحلة بن علي، وكان بعضها حين تتاح له فرصة للحديث في منابر إعلاميّة بالخارج يورد صفة “العلمانيّة” في إطار هجو نظام بن علي ونقده. وكنّا نتندّر ونقول “آش خص لو بلغ نظام بن علي مرحلة العلمانيّة”، لأنّه دون هذا المستوى الذهني، بل كنّا نفكّر في أن تكون العلمانيّة مطلبا مرحليّا ههه.. لتفكيك الكذبة التي يروّجها من أنّه يواجه مجموعات أصوليّة متطرّفة تعادي الحداثة.
كنّا نعاني من نظام مافيوزي متدرّع بثقفوت استئصالي لا علاقة له لا بالعلمانيّة ولا بالوطنيّة الديمقراطيّة. هو نظام أوباش وهمج وحثالة وكفى.
وذكّرني اعتراض المعارضة السوريّة المسلّحة بما كان يدور بيننا وبين رفاقنا من الوطد في الجامعة. كنّا (في التيّار الطلابي الإسلامي) نقول: كيف قبلتم بالدخول تحت سقف الوطنيّة، وهويّة المرء في فلسفتكم هويّة طبقيّة؟ وما الوطن خارج حدود الطبقة؟ وكذلك الديمقراطيّة؟ ألم تكن “خدعة بورجوازيّة”؟
توجد اجتهادات ولا شكّ في الديمقراطيّة داخل الأحزاب الشيوعيّة الشرقيّة وأرقى ما انتهت إليه هو “المركزيّة الديمقراطيّة… ثم الأحزاب الشيوعيّة الأوروبية المعروفة (الأوروكومينيزم، في إيطاليا وإسبانيا خاصّة، واجتهادات أخرى) ولكنها جميعا في عرف المجاميع الماركسيّة اللينيّنية والماويّة تحريفيّة لا يعتدّ بها.
تخطّينا بالنقاش المرجعيّات الكبرى التقليديّة إلى سؤال: من هو الوطني الديمقراطي؟ وأحسّ رفاقنا أنّ هناك من ينازعهم هذا العنوان ويسعى إلى أن يعطيه مضمونا جديدا… ههه.
هل يمكن للمرء أن يكون وطنيّا من خارج معتقدات ناسه وأهله ووطنه ؟
هذا السؤال يدفع صاحب المرجعيّة الماركسيّة إلى ترجمة هذه المرجعيّة إلى الثقافة الوطنيّة التي هي ثقافة العروبة والإسلام، وإلا فإنّه سيبقى صدى لمن ارتهن لهم واقنعوه بـ”أمميّتهم” وهم أعجز من أن يخرجوا عن قوميّتهم وعن ثقافتهم اليهوديّة المسيحيّة مهما زيّنوا خطابهم بمعجم طبقي أممي. لأنّهم ببساطة نجحوا في ترجمة الصراع الطبقي إلى براديقمهم الثقافي.
إذا الم ينجح في الترجمة بقي تابعا وملحقا…
ويشترك الأممي الماركسي في هذا العجز عن الترجمة مع “لإسلامي المعولم” الذي لم ينجح في ترجمة ما يعتقده إلى ثقافة الناس رغم توهّمه أنّه منهم… وكأنّه لا ينتبه إلى هذا حتّى حين يقتلهم ويذبحهم باسم دينهم… بل لعلّ العجز عن الترجمة كان سببا من أسباب إجرامه… وكذلك مع القومي الذي فشل في ترجمة “الأمّة/الدولة” فعجز عن أن يكون عروبيّا (مثّل البعث مع ميشيل عفلق المحاولة الأكثر جديّة في الترجمة رغم ما شابها من تعثّر)..
الصراع الطبقي حقيقة، أو هو مستوى من مستويات البنية الاجتماعيّة، ولكنّه يُنزّل من خلال المنوال الثقافي اللساني لكلّ أمّة. فماركس في أنقلترا وأوروبا ليس هو ماركس في الجزائر.
هناك عجز عن التعريب، “تعريب الماركسيّة” كما يقول عبد الله العروي. ولكن إذا كان التعريب دقيقا وموفّقا وكانت الترجمة ثقافيّة فإنّ “الماركسيّة” ستصبح “لاهوت تحرّر إسلامي”… ولن يكون الوطني الديمقراطي إلا “عروبيّا إسلاميّا”… أما الماركسيّة باعتبارها فكرة ظهرت في سياق معلوم وارتبطت بمنهجها علوم واختصاصات شتى فتلك مسألة اخرى..
يروى عن منير شفيق أنّه كان في زيارة للزعيم الصيني ماوتسي تونغ رفقة جمع من الماويين الفتحاويين، وفي بداية اللقاء بادرهم بالقول: ليس لي ما أضيف إلى ما قاله لكم محمّد… أو فيما معناه.
تحدّث بعضهم عن الإسلام الغاضب… ويتحدّث المشهد السوري عن “الإسلام المسلّح الوطني الديمقراطي”.. هذا مصطلح جديد..
التجارب… تطبع الوعي وتنحت معجمها وتبني فكرها.. وهو ما يعطي أملا بالخروج من التوحّش.
ويبقى سؤال: من هو الوطني الديمقراطي؟؟… سؤال تحدِّ ودعوة إلى مناظرة لم تعرفها بلادنا… ولو عرفتها لاختصرنا مسافات، ووفرنا جهدا وحرمنا كثيرا ممن تسلّلوا إلى تجاويف الأفكار والأنساق استسهلوا محادفة الآخرين من مكان بعيد.
كانت مناظرة الأخ الحبيب بوعجيلة مع الأستاذ مصطفى القلعي نافذة مهمّة على مستوى من فكرنا السياسي ومناسبة من شأنها أن توضّح الرؤية أمام الناس وتعينهم على تخطّي كثير من الأوهام. وتمكّن من حدوث فرز حقيقي سياسي فكري مختلف عما يدور أمام أعيننا من فرز نعتبره مشوّها لأنّه لا يُمكّن من تقديم الممثّلين الحقيقيين أو الأجدر على الأقل لهذه الجهة أو تلك.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock