مقالات

الأمر المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ، ودعوات المراجعة

 ليلى الهيشري
الأمر المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ، بين دعوات المراجعة وصمت الحكومات المتعاقبة
ينص الفصل الأول من الأمر عدد 50 لسنة 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ على أنه: “يمكن إعلان حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية أو ببعضه إما في حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير من النظام العام، وإما في حصول أحداث تكتسي بخطورتها صبغة كارثة عامة، ويكون ذلك بمقتضى شروط يتم ضبطها”. هكذا جاء التعريف بحالة الطوارئ، وإن كان من الضروري إعطاء أهمية مناسبة لهذا الظرف الذي قد يمثل خطرا على أمن البلاد، فإنه في المقابل، لازال مكبلا بتصورات تشريعية متمثلة في جملة من النصوص القانونية التي تجاوزها الزمن ولم تعد تتناسب ومتطلبات الجمهورية الثانية.
استمد هذا «القانون» الصادر سنة 1978، مشروعيته من نص الدستور السابق أو ما يعرف بدستور 59، واقتضى الحال أن ينص الدستور المذكور على فصل قانوني كان المرجع الرئيسي المباشر لهذا الأمر وهو الفصل 46، حيث أسندت لرئيس الجمهورية صلاحية اتخاذ تدابير استثنائية ردا على وقوع فعل مهدد لكيان وأمن الدولة واستقلالها أو “حدث” غير مفتعل، عرفه بالخطر الداهم، والذي قد يتسبب في إلحاق الضرر بأمن البلاد، وقد يكون ذلك عبر تعطيل أعمال مؤسساتها أو تعريضها للخطر. هذا وقد أشار الفصل المذكور إلى ضرورة استشارة الوزير الأول ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين.
وإن اتفق الدستور الجديد مع  اختيارات دستور 59، في إسناد مهمة إعلان حالة الطوارئ لرئيس الجمهورية، يجدر الإشارة إلى أن هذا الاختيار ليس من باب تدعيم صلاحيات رئيس الدولة كما عهدناه في النظام القديم وإنما هو اختيار يلقي الضوء على الاختلافات الجوهرية التي تميز بين صلاحيات رئيس الجمهورية حسب دستور 2014 وصلاحيات رئيس الجمهورية حسب دستور 59، فالرهان قائم إذن على مدى قدرة رئيس الجمهورية  الثانية على ضمان ملائمة التدابير الأمنية لمتطلبات الحفاظ على حقوق المواطنين كرئيس شرعي منتخب، لا كرئيس جمهورية يقوم على استغلال صلاحيات الظروف العادية والاستثنائية للتضييق على حريات المواطنين وقمعهم، ويمكن القول أنها عبارة عن توجه سياسي اعتمده مؤسسي الدستور الحديث لتجديد الثقة في خطة رئيس الجمهورية التي طالما مثلت نقطة سوداء في الرأي العام التونسي.
يثير الأمر عدد 50 تساؤلات عدة ومخاوف كبرى تتعلق أساسا بمحتوى فصوله المثيرة للجدل، على غرار الفصول 5، 6 ،7 و8 ويعلل ذلك بخطورة الصلاحيات الممنوحة لوزير الداخلية ومدى قدرتها على تهديد حقوق الإنسان. يمكن لوزير الداخلية حسب اختيارات هذا المشرع، وضع المواطنين التونسيين تحت طائلة الإقامة الجبرية، كما يمكن له تحجير الاجتماعات، تفتيش المحلات كالمنازل والمتاجر، تحجير نشر الكتب والمجلات والصحف التي قد تعتبر حسب سلطته التقديرية ماسة بالنظام العام والأمن الوطني، هذا وقد تخول له سلطته أيضا، حسب الفصل 8 إمكانية مصادرة حرية الإعلام المرئي والمسموع وتقييم الأنشطة الثقافية والعمل على مراقبة مدى وملاءمتها للسلامة الأمنية للدولة، فماذا ينتظر أصحاب القرار لإعادة النظر في هذه الفصول تحديدا؟
وان كان من الضروري تقديم الدعم للجهاز الأمني الذي يدافع عن راية بلاده وامنه، فإنه من غير الممكن الإبقاء على هذا القانون المثير للشبهات والذي قد يزيد من مخاوف المواطن وخشيته من عودة الممارسات السابقة بدعوى حماية أمن الدولة.
وحرصا على إعادة الثقة في مؤسسة أمنية أراها تتقدم بخطى ثابتة في سعي مستميت للقطع مع الماضي، أضم صوتي كمواطنة تونسية إلى الدعوات المتكررة لرجال القانون لتنقيح هذا الأمر، والذي قد يعتبر بادرة إيجابية قد تساهم في تجنيب القطاع الأمني صدامات مع الحقوقيين والمواطنين من جهة، كما يمكن العمل من جهة أخرى على رفع اللبس الذي قد يشوب التدابير المتخذة في الفترة الزمنية الاستثنائية والمؤقتة من خلال وضع تعليل حقيقي وواقعي يرفق بنص الإعلان حتى يكون الشعب على بينة من مجريات الأحداث الخطيرة موضوع الإعلان.

تعليق واحد

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock