تدوينات تونسية

مهارة المتحيلين فهم رجال “نظام” (رجال دولة).. تحليل زيارة الباجي

الحبيب بوعجيلة
(قراءة اعلامية سياسية نفسية)
زيارة الرئيس الحالي الأولى الى احدى الجهات الداخلية وما رافقها من احتجاجات واحتقان تتضمن كل الحجج والأدلة التي تدعم “سردية الفشل” والتي يمكن استعمالها صدقا في مواجهة الرئيس الحالي كما تم استعمالها كذبا في مواجهة الرئيس المرزوقي سابقا.
الفوارق الوحيدة هي التي نوجزها في هذا التحليل “الميديولوجي” (علم الميديا) والنفسي (علم نفس الجماعات وعلم النفس السياسي) والسياسي العام :
أولا : الاحتجاجات في عهد المرزوقي على زياراته كانت منظمة بشكل حرفي دقيق حيث تتحرك الماكينات الحزبية لجبهة الانقاذ مستفيدة من المهارات التنظيمية لقوادة الشُعب في الجهات والبلطجية المُخبرين السابقين ومستفيدة أيضا من “الشجاعة” الميدانية لشباب اليسار.
في المقابل كانت أحزاب الترويكا عاجزة على التنظيم المُضاد لحماية هذه الزيارات. أما شباب الثورة المناصرين للمرزوقي وقتها فلم يكن يتعلق الأمر عندهم بنقص في الشجاعة الميدانية بل بحاجز نفسي لشباب تعود على المواجهة الجريئة للنظام ولكنه “يخجل” من الوقوف في الشارع دفاعا على “سلطة حاكمة” حتى لو كانت “سلطته”. والدليل على شجاعتهم الميدانية أنهم امتلكوا الشارع وكانوا سادته في حملة الانتخابات الرئاسية حين كان الأمر في أعماقهم النفسية لا يتعلق بمناصرة “حاكم” بل بمناصرة “مرشح ثورة” في مواجهة “مرشح قديمة”.
الاحتجاجات على زيارة الباجي الى قفصة أكثر دلالة وصدقية لأنها “عفوية” ولكنها لا تجد من يستثمرها بخبث في صياغة خطاب “الفشل” وترويجه في مواجهة الباجي كما وجد من استثمر الاحتجاجات المنظمة ومدفوعة الأجر في عهدالمرزوقي.
ثانيا : الاحتجاجات في عهد المرزوقي كانت تستعد لتلقفها مسبقا كل الأذرع الاعلامية (فلنقل جلها تخفيفا للقسوة) وكان هذا الاستعداد يتم بأوامر واستنفار كل المسؤولين على هيئات التحرير في هذه الأجهزة بحسن ارسال الصحفيين للتغطية وانتقاء أمهر المصورين (كادرور) للتمكن من التكامل مع التنظيم المحكم للاحتجاجات واقتناص رسائلها وحركاتها مهما كانت هامشية أو غير مرئية أو غير مسموعة على أرض الواقع. أما زيارة الباجي الأخيرة فقد تمت في وضع “أمن اعلامي” مستتب رغم بعض تنطع “الأجنحة” في الأذرع الاعلامية الموالية لمرزوق والرياحي وبعض سياسيي الساحل لكن الخط التحريري العام “مؤمن” و”تحت السيطرة”.
ثالثا : الاحتجاجات في عهد المرزوقي تتم بتسهيل مُحكم من الادارة الجهوية العميقة لوصول “المحتجين” الى قلب المشهد حيث يوجد الرئيس المستهدف وبتواطؤ من المسؤولين على محيط “الكورتاج” من خارج مرجع نظر الأمن الرئاسي. كما تتكفل هذه الادارة بتوفير الظروف الملائمة من زبلة لا يتم رفعها أو خدمات يتم ايقافها. في المقابل يبدو محيط الرئيس الحالي “آمنا” من نفاذ الاحتجاجات العفوية وتبدو الطرقات نظيفة سالكة كما تبدو نباهة الكاميرات والميكروفونات “الاعلامية” منصبة على نصف “كأس التحيل الملآن”.
لكن رغم النقاط الثلاثة التي ذكرنا فلم يتمكن الباجي من اخفاء أحداث يمكن استعمالها من أجل خطاب “الفشل” ما يدل على أن الخرق سيتسع على الراتق… لن يحتاج الشعب الى سفيانات وبوغلابات ومريمات ليعرف أن الباجي ليس اكثر نجاحا أو أقل “فشلا” ممن سبقه.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock