تدوينات تونسية

الروس شيء والإيرانيون شيء آخر

محمد ضيف الله
قال وزير الدفاع الروسي حرفيا (10 جانفي) في المعركة “كان علينا أن نعبئ كل قواتنا، كل إمكانياتنا لنشر قوة كبيرة (…)، لإشراك قوات من الشرطة العسكرية”، نعم استعمال كل القوات الروسية التي أشار إليها الوزير. وهو ما يعني أن النصر في حلب الشرقية، لم يكن يسيرا. نتذكر حجم التدمير الكبير واستهداف المدنيين والمستشفيات الخ. كل ذلك حتى لا تصيح روسيا أولا في معركة عض الأصابع. وهنا نفهم إسراعها بعد “النصر” إلى التفاوض مع المعارضة السورية والاتفاق معها، متخلية في الأثناء عن حشر معارضي بشار ضمن الإرهابيين، واستثناء هؤلاء أي داعش وجبهة النصرة من الهدنة. لكن لابد من أن نلاحظ أن العمليات الروسية الهامة لم تتوجه إلى هؤلاء الإرهابيين.
إلا أن إطلاق النار كما تبين خلال الأسبوعين الفارطين لم يتوقف، على أكثر من جبهة. بطبيعة الحال بشار يقاتل رغم أنفه، لأنه لا يمتلك الإمكانيات البشرية ولا المادية، وإذا لم تمكنه قواته منذ ست سنوات على حسم المعركة لصالحه، فهو أضعف من أن يحسمها اليوم، وإنما من يسيره هم الإيرانيون الذين يتكلمون دائما عن وجود مستشارين لهم على الميدان. والمنفذون هم الميليشيات الموالية لهم، ويبقى الحديث عن طائرات بشار من باب الدعاية فقط، بمعنى أنها تصلح للقول بأن بشار واقف ويقاتل. وهو يعرف والروس كذلك أنها لا يمكن أن تقارن بالطائرات الروسية ذات القدرات التخريبية الكبيرة.

وعلى أية حال فإن استمرار خرق إطلاق النار في سوريا، يدل على أن روسيا بالغت في تقديرها للموقف عندما تقدمت على أنها ضامن للهدنة، وإنما إيران شعرت بالإهانة من قبل الروس الذين استبعدوها في محادثات أنقرة. فأرادت أن تفسد ما توصلوا إليه هناك مع المعارضة السورية. بمعنى أن إيران تكاد تقف وحدها مع ميليشياتها متعددة الجنسيات إلى جانب بشار. لسبب بسيط وهي أنها لم تضمن تحقيق الأهداف التي جعلتها تؤازر بشار.
من جهتهم، الروس لم يصمتوا إزاء النيل من مصداقيتهم كضامنين للهدنة، وفي هذا الإطار تأتي الرسالة التي وجهوها إلى كل الأطراف، من خلال سحب البعض من قواتهم، وعلى رأسها حاملة الطائرات “التي حققت أهدافها” حسب قائد القوات الروسية في سوريا أندري كاتابولوف (Andrei Kartapolov). هذه رسالة بحسن النية إزاء المعارضة السورية، وفي نفس الوقت هي بمثابة ورقة تحذير إلى بشار والإيرانيين، بأن الروس لن يقوموا بما قاموا به حتى اتفاق وقف القتال، وأنهم الآن يخيرون الحل السلمي المتفاوض عليه. وإذا كان حلفاؤهم يشعرون بأنهم لم يحققوا أهدافهم فواصلوا القتال، فإن ذلك لن يضمن لهم انتصارا مؤزرا في غياب الطيران الروسي، ولن يجبروا الروس على العودة إلى القتال إلى جانبهم، لأن همّ هؤلاء يتوجه الآن إلى محادثات أستانا التي أعلن عنها ليوم 23 الجاري. ويبدو أن الإيرانيين وبشار يشعرون بأنهم لم يحققوا الشيء الكثير، ولذلك فهم يحاولون تحسين شروطهم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock