تدوينات تونسية

نبض الذاكرة 9 جانفي 2011

أسامة العقربي

لا زلت اذكر ذلك اليوم بكل تفاصيله… احتسي كأسا من القهوة المرة مرارة تلك الأيام يقاطع صفوي جهاز التلفاز الذي ينطق ترهات من هنا وهناك وصوت صديقي الذي يتسلل على استحياء بان هناك حركات احتجاجية تتسع وتطرد وان هذه المرة ليست كسابقاتها…

همس في اذني ان الامر سيتحول إلى ثورة شعبية عارمة… اطرقت برهة… بل قل دهرا… سيل من الماضي يداهمني… وكيف انسى… لا انسى كيف عادت عمتي سعدية ذلك المساء وقد على نحيبها وهي تقبض بكفيها على قطعة القماش التي تلف رأسها وقد انسابت من تحتها خصلات شعر مخضبة بالدماء… كأنها تقبض على شيء ثمين لم ادركه حينها… نعم لقد كانت عمتي تقبض على ما بقي من حرية مزعومة بكل ما أوتيت من كبرياء… لقد لطمها ذلك الامعة فقط لأنها ترتدي حجابا اضحى يقض مضاجعهم… وحقيقة ادركت الآن أن عمتي على ما اصابها كانت اكثر حرية من جلادها…

ولا انسى العم محمود بائع الخبز الذي سمعنا انه “في الدبو” كما يقال… فلقد ارتكب إثما كبيرا نعم… لقد انتقد بن علي علنا وهذا امر كفيل بان يوردك المهالك… تخيل معي… مجرد انتقاد… والعم ابراهيم وغيرهم كثير ممن ضجت بهم السجون وغصت بهم الزنازين… ويعود صوت محدثي ليسألني عن رأيي في الخبر… فتتسلل ابتسامة من فيض الخاطرة العطرة… فكلمة ثورة كانت كفيلة بان تجعل نبضي يتسارع وتختلط الدماء في عروقي فرحا ولو ببارقة امل… وفجأة قاطعنا النادل باطلاعنا خلسة على بعض صور شهداء سيدي بوزيد والقصرين… فطبعا كان مجرد تداول الصور قد يودي بك في غياهب الجب… لكن في تلك اللحظات لمحت عيونا حالمة في كل الوجوه… الناس تتحرر وتنفض عنها غبار الذل والخوف…

فسارعت إلى النهوض… قررنا ان نكون في الحراك الذي بدأت تتشكل ملامحه في صفاقس… كانت كل الطرق موصدة والعسكر في كل متر ولكننا عزمنا ومحال ان نعود كلفنا ذلك ما كلفنا وأخيرا ولجنا في خلسة… وبدأت الهتافات والناس تزدان برداء الكرامة…”شغل حرية كرامة وطنية” والأحب الى قلبي “يسقط حزب الدستور… يسقط جلاد الشعب” وبدا العساكر يطوقون الحشد من كل جانب ولكن الناس لم تهرب بل زادت الهتافات حدة وكأن الحناجر والقلوب قد قررت ان لا مزيد من الذل… قرع نعالنا… سيعلو حتما… ستسمع صرخاتنا الأصم… سيعلم الطرابلسية وبن علي وأزلامه… أن قلوبنا تنبض ثورة… الآن حصحص الحق هكذا انقضى يوم مهد ليوم 12 جانفي الشهير.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock