تدوينات تونسية

هل التطور شرف لنا ؟

الحبيب حمام

هل تطوّرُ الإنسان من مخلوق آخر يُخالف عقيدة التوحيد؟ هل تطوّر الإنسان من حيوان يهين الإنسان؟ بلغة أخرى، هل تطوّرُ الإنسان مباشرة من تراب أشرف له؟ نحاول أن نجيب عن هذه الأسئلة.

يقول التطوّريّون أن أوّل كائن حيّ هو خليّة تتفاعل مع الشمس (ما تعبّر عنه سورة الأنعام بالخضِر)، نشأت من الماء، وظلت داخل الماء قبل 3.8 مليار سنة. ثم بعد ملياريْ سنة نشأت البكتيريا في الماء، ثم السمك في الماء، ثم البرمائيات في الماء قبل 500 مليون سنة، وهي أوّل الدوّاب (كما تقول سورة النور: والله خلق كل دابة من ماء).

يقول التطوّريّون أن الإنسان والقرد تطوّرا من جدّ مُشترك. هذا الجد المشترك تطوّر بعضه في ظرف مُعيّن إلى نوع القرد، وتطوّر البعض الآخر إلى بَشَرٍ، أي حيوان له بَشرَة (جلد غير كثيف الشعر)، مستقيم القامة. هذا البشرُ تطوّر إلى إنسان، كائن كامل العقل، وانقرض البشر قبل 30 ألف. هذا الإنسان، عكس البشر، يعيش حياة إجتماعية ويتناسل عبر مؤسسة الزواج المنضبطة.

بلغة أخرى الكائنات الحية تطوّرت، وكان في أعلى قمة هرمها البشرُ. ثم قطف الله تعالى من البشر باقة، هي أرقى ما وصلت إليه الكائنات منذ 3.8 مليار سنة، وجعل من هذه الباقة الإنسان العاقل، ملك الكائنات الذي سُخر الكون بكائناته الحية لمجيئه. ثم علّمه الأسماء وسمّاه آدم، ثم استحق آدم المكتمل أن يفوز بلقب الخليفة فوق الأرض. هل يضرنا نحن، بني آدم، هذا الشرف؟ أم أن نشأة أبينا آدم مباشرة من التراب أشرف لنا؟ أنا شخصيا، أخيّر أن تكون كل الكائنات سخرها الله وطوّرها من أجلنا وليكون أبونا آدم زبدتها وأعلى قمّتها.

هل القرآن يتناقض مع هذا القول. القرآن يذكر خلق بشرٍ “نكرة” من طين، وكأنه غير عاقل. وإذا ذكر خلق الإنسان ذكره مُعرّفا، ولم يقل من تراب أو من طين. قال “الذي أحسن كل شيء خلقه ۖ وبدأ خلق الإنسان من طين”، فلم يخلقه مباشرة من طين، بل بدأ خلقه (مرورا بالبشر) من طين. وقال “إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا” ولم يقل من طين أو تراب. وذكر خلق آدم (الإنسان الذي أصبح خليفة وتعلم الأسماء) من تراب عندما قارنه بعيسى: “إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون”. وعيسى كآدم لم يُخلقهما مباشرة من تراب، وكلاهما خلقه الله دون تناسل من أبوين. الملائكة لم تحتج على خلق البشر، بل احتجت على جعل الإنسان خليفة عندما ظهر آدم.

سورة الأنعام، من أوّلها إلى آخرها، تنسف مقولات الإلحاد وتضع أسس الاعتقاد الصحيح. يقول تعالى فيها “وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين”. لنقف عند “كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين”. كان الحديث في السورة عنا، نحن بني آدم، ثم قال “من ذرية قوم آخرين”، من هم هؤلاء؟ آبائنا؟ ليسوا آخرين. الطبري احتار في هذه الآية، وبحث عن تأويل يُخرجه من مأزق التطوّر، فقال:

ومعنى “من” في هذا الموضع التعقيب، كما يقال في الكلام : “أعطيتك من دينارك ثوبا”، بمعنى : مكان الدينار ثوبا، لا أن الثوب من الدينار بعض، كذلك الذين خوطبوا بقوله : (كما أنشأكم)، لم يرد بإخبارهم هذا الخبر أنهم أنشئوا من أصلاب قوم آخرين، ولكن معنى ذلك ما ذكرنا من أنهم أنشئوا مكان خلق خلف قوم آخرين قد هلكوا قبلهم. انتهى كلام الطبري.

بارك الله في إمامنا الطبري، لم يكن يعلم ما وصل إليه العلم من أدلة التطوّر في الإنسان والكائنات الحية، وهي تعد بالآلاف، لا ينكرها إلا جاهل بعلم الأحياء. أنا أميل إلى أن نظرية التطوّر لا تتناقض مع “كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين” و”وقد خلقكم أطوارا”. على العلماء أن يجتهدوا في العقيدة، ويبرزوا أن نظرية التطوّر لا تتناقض مع التوحيد، بل يمكن أن يكون التطوّر آليّة من صنع البارئ المُصوّر، استخدمها في خلق الكائنات بعضها من بعض، كما استخدمها من نموّ الثدييات أطوارا في بطون أمّهاتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock