تدوينات تونسية

التونسي والقتال

عبد القادر الونيسي

حدثني خال زوجتي محمد الجويني رحمه الله أنه كان أحد أوائل الداخلين الى برلين بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية سنة 1945.
دخل تحت راية فرنسا في الصفوف الأولى مع اخوانه المغاربة بعد تمشيط وتصفية ما تبقى من الجيش الألماني.

هي نفسها فرنسا التي تضع دائما التوانسة في الصف الأول. حدث هذا في “مونتي كاسانو” وفي طولون “Toulon” عندما قاد التوانسة والمغاربة عمليات تحرير لفرنسا من الاحتلال الألماني وصولا إلى باريس.

التاريخ يشهد بالتفوق القتالي للتونسيين. أنتبه لهذا أحد كبار العسكريين حنبعل واجتاح بهم اسبانيا وحاصر بهم روما.

تفطن الفاتحون المسلمون أيضا لهذا البراعة استعملوهم بعد أن أقنعوهم بعدالة دينهم وصدق رسالتهم لهزم البيزنطيين وفتح الغرب الاسلامي.

استعملهم نابليون في معركة Solférino التي هزم فيها امبراطورية بروسيا سنة 1859.

فرنسا ذاقت الويلات حتى تحكم قبضتها على تونس ودامت المواجهات سجالا الى أكثر من ثلاثين سنة تشهد بذلك بطولات جلاص وماجر والفراشيش و ورغمة وتشهد بذلك معركة صفاقس وخاصة معركة رمثة بتطاوين سنة 1915 التي كادت تغير ميزان القوى لولا المؤامرات وقوة العتاد.

دون نسيان الحرب العالمية الأولى 1914-1918 والتي استبسل فيها المقاتل التونسي مع اخوانه المسلمين وهزم الألمان في حرب الخنادق مما دفع الماريشال ليوتي Lyautey الى بناء جامع باريس في قلب العاصمة واهدائه للمقاتلين المسلمين تحية لهم على دورهم في حسم الحرب لصالح فرنسا.

دون الغفلة عن دور المتطوعين التوانسة الذين كانوا أول الواصلين لفلسطين ومشاركتهم البطولية في مواجهة الصهاينة وبدأت تلوح بوادر النصر لولا خيانة الأنظمة العربية القائمة آنذاك.

الا أن المقاتل التونسي عرف كذلك بعلو الهمة وشرف القتال حدثني خالي الذي شارك مع الجيش الفرنسي في الأندوشين انهم انتصروا للشعب الفيتنامي ولم يحاربوه وأمدوه بالمؤونة والعتاد وخالفوا أوامر قياداتهم اقتناعا منهم بعدالة قضيته.

وقد قرأت فيما قرأت أن فرنسا اعتبرت سبب نكبتها في فيتنام جنود شمال افريقيا.

هذه الروح البطولية دمرتها دولة الحداثة ابتداء بالحرب على اليوسفية الذين سلط عليهم بورقيبة أشد أنواع العذاب ثم سلط عليهم أراذل القوم (قوادة فرانسا) لاذلالهم وقهرهم. رأيت بعد سنوات هذا الضيم والغبن في عيني والدي الذي رفض تسليم سلاحه وطمره في ركن ركين حتى أتى عليه الدهر.

هذه الروح القتالية عند الشعب التونسي سرعان ما عاودت الظهور في شكلها القبيح في ساحات القتال الجديدة بعد أن نزع (ضم النون) منها النبل والشهامة وتلقفها شباب ربتهم الدولة الحديثة على العنف القبيح والقطيعة مع قيمهم وأخلاقهم وتاريخ أجدادهم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock