تدوينات تونسية

معركة إستقلاليّة القضاء والقضاة

عبد اللّطيف درباله
معركة إستقلاليّة القضاء والقضاة تدخل مرحلة جديدة إثر أحكام المحكمة الإداريّة اليوم بتأجيل تنفيذ مقرّرات أوّل اجتماع للمجلس الأعلى للقضاء الجديد والمنتخب والمقدوح في تركيبته واستقلاليّته..!!!
صدر يوم الاثنين 2 جانفي 2017 قرار استعجالي وقتي عن المحكمة الإدارية بتأجيل تنفيذ القرارات الصادرة عن الاجتماع المنعقد بتاريخ 29 ديسمبر 2016 من قبل مجموعة من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء.. الجديد.. والمنتصب حديثا بعد الانتخابات الأخيرة..
ويخصّ القرار الاستعجالي القرارات التي اتّخذها في اجتماعه الأوّل الذي غاب عنه حوالي نصف أعضائه الجدد لوجود خلاف حول ظروف تكوينه.. وإشكال في تركيبته تخصّ بعض الأعضاء فيه المتمتّعين بالعضويّة بحكم صفتهم لا عبر انتخابهم.. والذين يفترض أنّ الهيئة الوقتيّة للقضاء العدلي قامت بتعيينهم سابقا.. لكنّ رئيس الحكومة يوسف الشاهد رفض إصدار قرارات لإكساء تلك التعيينات بالصيغة التنفيذيّة بزعم أنّ انتخابات المجلس الأعلى للقضاء تمّت.. وأنّ المجلس أصبح هو صاحب السلطة في تلك التعيينات حتّى من قبل أداء أعضائه اليمين الدستوريّة.. ومن قبل إنعقاد المجلس وبداية عمله وممارسة مهامه وصلاحيّاته..

وقد اعتبر عدد من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء المنتخب.. تماما كما رئيس الحكومة.. وربّما من ورائه رئيس الجمهوريّة.. بأنّ مجلسهم الجديد سيقوم هو بتلك التعيينات.. وبذلك أقرّ بهذا المنطق الذي تبنّاه بأنّ المجلس نفسه سيكمل تركيبته بنفسه (!!).. أي أنّ أعضاء المجلس سيختارون القضاة الذين يريدون أن يضمّوهم لتركيبة المجلس على مزاجهم وبإرادتهم المنفردة..
لكنّ 21 عضوا من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء قاطعوا الاجتماع الأوّل الذي تمّ فيه انتخاب رئيس وقتيّ للمجلس ونائبا له إلى حين اكتمال تركيبة المجلس نهائيّا.. وتحديد موعد قادم لاجتماعه الثاني..
وقام عدد من الأطراف برفع قضايا استعجاليّة بوقف تنفيذ مقرّرات تلك الجلسة في انتظار البتّ في دعاوى قضائيّة أخرى بعدم شرعيّة المجلس والنقص في تركيبته بناء على عدم تفعيل تعيينات القضاة السامين المقترحين من الهيئة الوقتيّة للقضاء العدلي.. واعتبار أنّ أولئك هم بقيّة الأعضاء الشرعيّين بالمجلس الأعلى للقضاء ويتّجه إنضمامهم إلى المجلس فورا ليكون تكوينه قانونيّا.. ومنع المجلس الجديد في المقابل من تعيين قضاة آخرين في تلك المناصب يلتحقون آليّا بالمجلس بحكم وظائفهم وصفتهم تلك..

المعركة التي يراها البعض “تقنيّة” و”قانونيّة” بين قضاة ورجال قانون يختلفون حول تأويل القانون وطرق تطبيقه باختلاف الإجتهادات..
هو في حقيقته يعكس صراعا يتجاوز القانون والقضاء إلى السياسة ومناوراتها وألعاب السلطة فيها.. ويطرح من جديد مشكلة إستقلاليّة القضاء التي كان المفترض أن يقع تكريسها بإقرار إنتخاب أعضاء المجلس الأعلى للقضاء وذلك لأوّل مرّة في تاريخ تونس.. بعد أن كان المجلس هيكلا تحت هيمنة السلطة التنفيذيّة الحاكمة.. ويرأسه رئيس الجمهوريّة نفسه الذي هو أعلى هرم السلطة التنفيذيّة..
وأقرّ الدستور والقوانين الخاصّة تركيبة واسعة للمجلس الأعلى للقضاء تشمل جميع المتدخّلين والمؤثّرين في المجال (وكانت عضويتّهم تلك أثارت جدلا بدورها في حينه)..
لكنّ الانتخابات شهدت تحالفات بين اللوبيّات الحاكمة والمؤثّرة.. وفازت بالعضويّة بعض الوجوه القضائيّة المعروفة بتحالفها مع السلطة منذ ما قبل الثورة.. بما جعل المخاوف تتصاعد من كون المجلس الأعلى للقضاء الجديد واقع تحت الهيمنة السياسيّة للقوى الحاكمة.. وهو ما يعني ضربة قويّة جديدة لاستقلاليّة القضاء والقضاة..

يبدو أنّ المعركة القضائيّة حول المجلس الأعلى للقضاء ستطول وتتعقّد ليس في أروقة المحاكم فقط.. وإنّما بين القضاة وبعض هياكلهم التي تنوي تصعيد الموقف حماية لما تعتبره الحدّ الأدنى من استقلاليّة المجلس المنتخب بعيدا عن الهيمنة والتبعيّة السياسيّة..

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock