تدوينات تونسية

الديمقراطية “المصطنعة” وإجهاض التحرر الوطني..

الحبيب بوعجيلة
أحداث التسيب التي شهدتها البلاد منذ ثورة 17 – 14 تؤكد أن تونس قد تتحول الى خطر استراتيجي على المنطقة العربية في ظل طبقة سياسية وطنية ضعيفة ودولة مخترقة.
عندما نجحت انتفاضة المهمشين في ارباك المنظومة الحاكمة هرب رأسها لنكتشف “دولة هشة” تشظت الى مراكز قوى ولوبيات تتناهش المرفق العام وتتغالب في السيطرة على المؤسسات وتوظيف طبقة سياسية معارضة بلا مشروع ولا تنظيمات حزبية قوية سرعان ما استولت عليها القوى الأجنبية.
بعد الخلاص من استبداد الحكم الفردي العائلي ودخول البلاد في أجواء من “الحرية المطلقة” في التعبير والتنظم كان يجب أن تكون نماذج البناء والانتقال المطروحة على النخبة هي النماذج الآسياوية (ايران.. تركيا.. ماليزيا.. كوريا الجنوبية) أو اللاتينية (البرازيل.. فينيزويلا الخ).
بتأمل النماذج الآسيوية واللاتينية لا تبدو الحرية السياسية أو “الديمقراطية” والخلاص من الاستبداد والنظم الدموية التابعة هي العامل الوحيد الذي حققت بمقتضاه هذه النماذج نجاحها. الخلاص من “النظم القديمة” في هذه البلدان تم بقيادة زعماء أو أحزاب أو تنظيمات قوية وصارمة وجماهيرية تمكنت سريعا من تعبئة الحشود و”اجبارها” نضاليا على الانخراط في المعركة التنموية كما تمكنت من “اجبار” المؤسستين العسكرية والأمنية على دعم “التعبئة” للمساعدة على تطهير الادارة ومقاومة الفساد واقحام منظمات التمثيل الاجتماعي للفلاحين والعمال ورجال المال والطلاب والأكاديميين والاعلام في العقد الوطني الجديد ودعمه وكانت مواجهة التدخل الأجنبي جوهر هذه النماذج.
وضع الحرية أو الديمقراطية في هذه النماذج كان وضع طاعة أو مشاركة طوعية أو “خضوع وطني” لمشروع معبئ. كان الأمر قريبا لما يمكن تسميته بـ “الاستبداد الوطني” (مفهوم الوحدة الوطنية.. التوافق الوطني.. العقد.. الاجماع الوطني.. هي أساليب غير ديمقراطية لبناء الديمقراطية الوطنية كما يقول خبراء الانتقال) (أنظر تفاصيل البناء الوطني في هذه الدول).
يبدو أن جوهر الاعاقة عند “أم الثورات العربية” هو ضعف الطبقة السياسية التي كانت سابقا معارضة للاستبداد (ضعف تنظيمي.. فكري.. بشري) ما حولها سريعا الى عجينة طيعة في يد “مُخططي الانتقال الدوليين” من أجل ديمقراطية الفوضى لاعادة تقسيم المنطقة (المؤامرة لم تبدأ في تونس مع الانتفاض بل في توجيه مخرجاته).
لقد كانت “الرؤية” التي سارعت للاستثمار في ثورة تونس هي رؤية “الفوضى الخلاقة” ومركز “الثورات الملونة” اعدادا للمؤامرة في المشرق العربي وتمثلت في :
أولا : استثمار الطبيعة الشبابية والهامشية للانتفاض لإغراق البلاد بمؤسسات “التكوين السياسي” الدولية التي تولت أمر الشباب لتحوله الى قوة احتجاج فوضوي أو قوة مطالب “ديمقراطوية ليبيرالوية شكلانية” (الحريات العقائدية.. قضايا الجندر.. الاقليات.. المواطنية الخاوية).
ثانيا : تحويل طبيعة الانتظام الحزبي من أحزاب الايديولوجيات الوطنية الى أحزاب ادارية براغماتية انتخابية (مال واعلام) واعداد قانون انتخابي يمنع وجود حزب أو أحزاب قوية قائدة.
ثالثا : ربط المشهد السياسي والجمعياتي بمراكز دولية. واستثمار الحرية الاعلامية والافتراضية لصناعة رموز سياسية واعلامية “شابة” وطيعة تقود ظاهريا الساحة في الحكم والمعارضة لتبقى الدولة ومؤسساتها السيادية في يد الأجانب.
رابعا : تحويل البلاد الى مركز “مدني” لتعبئة “الثوار” وتصديرهم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock