تدوينات تونسية

أخرجوا “العوام” من نقاشاتكم لتؤسسوا مشروع الأمة

الحبيب بوعجيلة
لا يزعج النقاش أبدا بين التيارات الاسلامية والعروبية واليسارية الوطنية حول الحدث السوري لأنه سيذهب بنا الى جوهر النقاش الشبيه الذي اندلع في اعماق الفكر العربي الاسلامي ابان تهاوي خلافة الرجل المريض في الاستانة في سياقات حملات الاستعمار القديم على ايالات الخلافة وفي سياقات سايكس بيكو…
كان السؤال : هل نقاوم الاستعمار تحت راية خلافة متهاوية كان الاستعمار الانجليزي فعلا يستهدفها ويحرض وقتها على ما يُسمى بالثورة العربية الكبرى أم نقطع معها حتى لو كان في ذلك ارتهان للتقسيم الجديد للعالم الاسلامي و تحت رايات “القطريات” الملكية الجديدة أو “علمانية العروبيين” من مفكرين مسيحيين شوام ومصريين دعوا الى حداثة التقليد الغربي ؟… في تلك السياقات بدأت تتبلور اشكاليات : الأمة.. الشعب.. الدسنور.. الجامعة الاسلامية.. او الجامعة العربية.. مشكلة الأقليات… العلمانية.. الشورى.. الحريات.. المستبد العادل… كانت الثمرة مدونة فكر الاصلاح والنهضة بتياراته المختلفة..
كان بناء الدول القطرية والاستقلالات الشكلية واغتصاب فلسطين ثم الانقلابات العسكرية في الشام والعراق ومصر واليمن والتي اعتبرت في وقتها ثورات تحرر وطني… ونشأت المقاومة الفلسطينية بتياراتها العروبية قبل أن تقع هزيمة 67 وتنفتح النخب على الفكر اليساري في الصين والاتحاد السوفياتي ثم كان ما كان بعد حرب الخليج الأولى والثانية واتفاقية اوسلو وتبلور مقاومة بنسغ اسلامي في لبنان وفلسطين.
جاءت ثورة تونس ومصر ثم كان دخول الممالك الخليجية بتدبير صهيو امريكي ليقع انشقاق من نوع آخر هو الديمقراطية والحفاظ على ما تبقى من الدولة الوطنية والعلاقة بين المذهب السني والعروبة والمذهب الشيعي والعروبة ومسالة الاقليات لتظهر من جديد نفس الاشكاليات : الوطنية والديمقراطية والعلمانية والاسلامية… الحرية والتحرر الوطني… المواطنة و الجماعة.. المقاومة والثورة.
يمكن للأزمة ان تكون فرصة لبناء مدونة الفكر العربي الاسلامي في سياقات القرن الواحد والعشرين لبحث مشروعنا النهضوي التحرري الديمقراطي الوطني الجديد وتقرير الامر في علاقات الشعوب والقوميات والمذاهب والأعراق على امتداد هذا العالم الاسلامي من طنجة الى جاكرتا.
أسئلة كبرى أمام تيارات الفكر العربي الثلاثة لا يمكن لهم الاجابة عليها الا بالاعتراف أن ابوابا فُتحت في اواخر القرن 19 والنصف الاول من القرن العشرين مازالت تمد رأسها لنعالجها بعيدا على غرائز “العامة”… بدأت المحاولة مع منتدى الحوار القومي الاسلامي في بيروت اواخر التسعينات وبداية الالفين في رحاب مركز دراسات الوحدة ولكن الاحداث غمرتها… نحتاج نُخبا في حجم التحديات… الدماء تصنع الأفكار لأن التاريخ لا يتقدم الا من جوانبه الأكثر ايغالا في الرعب… فقط أبعدوا الرعاع.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock