تدوينات تونسية

“حلَب”.. تُعيّرُ السّفّاح

عبد القادر عبار
على مدى خمس سنوات، هي بمثابة القرون، مرت على أهلنا وإخواننا في سوريا، وآلاتُه التدميريّة شغّالة، وبراميلُه الحارقة نزّالة، لا تتوقّف،تحصد الأرواح، وتحرق الأخضر واليابس، وتدمّر العمران، وتنسف الآثار، وهو مَزْهُوٌّ بما يريق من دماءٍ تغرق الطرقات، ومُنتَشٍ بما يذبّح من أرواح تلعنه صباحَ مساء، (في يوم واحد من أيام “حلَب” كان الحصاد أكثر من 750 شهيدا).. ومُفاخِرٌ بأنه حوّل مدنا، وقرى، وأريافا، إلى خراب موحش، ودمار شامل… أيحسب أنه منتصر؟.. ألا يعلم بأنه ينتحر ؟؟ “أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ”..؟ !
ماذا لو لزم عيادته، واكتفى بأداء مهنته كزملائه، واقتنع بتخصصه.. فعالج عيون مرضاه، وساهم في شفاء القاصرين بصريا، وادخل الفرحة على قلوب المصابين بالعشى، والعمى والرمد، والشبكية.. إذن لاستراح، وأراح، ولم تلحقه لعنة السوريّين !
ولكن، لأنه ليس أهلا لاحترام الناس له وتقديرهم، ومحبتهم، اختار أن يظلّ متسلّطا على قومه، وتولّى ليفسد في الأرض، ويهلك الحرث والنسل، ويبدع في الفساد، ويتورط في الدّم والتدمير، وقد أخذته العزة بالإثم، فلم يترك صيغة من صيغ الشرّ والقتل والترويع، إلا أذاقها للمستضعفين وجرّبها على الأبرياء من مواطنيه الذين لا ذنب لهم إلا أنهم ينتمون إلى وطن اسمه “سوريا”
وكأني بـ”حلَب” المنكوبة، تعيّر السفّاح بهذا المثل :
أسدٌ عليّ، وفي الحروب نعامةٌ * * * فَتْخَاءَ، تَنْفِرُ من صفير الصَّافرِ
هلاّ برزتَ إلى “غزالةَ” في الوغى * * * بل كان قلبك في جناحَيْ طائرِ
صدَعَتْ “غزالةُ” قلبَه بفوارسٍ * * * تركتْ مَدابِرَه كأمْس الدّابرِ
قالها “عمران بن حِطّان” الذي كان مطلوبا وملاحقاً من قبل الحجّاج ابن يوسف، قال فيه هذه الأبيات التي أصبحت مثلا معروفا، يعيّره باختبائه في دار الإمارة وبهروبه من مبارزة “شبيب” وزوجته “غزالة” المعروفة ببأسها في الحرب، وهما من الخوارج.

لكِ الله يا سوريا..! لك الله يا حلَب..

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock