مقالات

التدين الاستاتيكي

عبد الغفور ديدي
يزدحم المسلمون في المساجد لأداء الصلاة وقراءة القرآن وترتيل الأذكار، وتقصد الألوف المؤلفة منهم البيت الحرام لأداء مناسك العمرة وفيهم من يؤديها كل سنة، وينفقون القناطير المقنطرة من أموال الزكاة والصدقات في سبيل الله، ويتحرجون من حلق اللحية وسماع الموسيقى وإسبال الإزار أسفل الكعبين ومع ذلك لا ترى في حياتهم ما يستهوى الجماهير للدخول في سبيل الله أفواجا ولا ما يبعث على الطمأنينة واستقامة الحال وحسن المعيشة… إنهم يفعلون ذلك وزيادة ومع ذلك لا الدين نصروا ولا الأعداء كسروا ؟؟
ثمة حلقة مفقودة في هذا التدين الذي يلتزم به مسلمو اليوم
هذا التدين الاستاتيكي (la religion statique) الذي يبشر به بعض وعاظ القنوات التليفزيونية والذي يرتبط عادة بالأفهام التقليدية الموروثة عن الأحكام والتشريع الديني ويتكلس عند المظاهر والطقوس ولا يعبأ بالمقاصد وروح الأحكام وجوهر الدين. وهو ان كان موجودا في مختلف أتباع الأديان السماوية وغيرها إلا أنه عند المسلمين غير مستساغ !؟ لأن الإسلام دين حركي ومتجدد بل يبعث الله على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة.
إن التدين الخامل الذي يتغذى على التلقين والحشو والأداء البارد للواجبات والخالي من العاطفة، بعيدا عن الفهم العميق والإيمان الدقيق والحب الوثيق، ولا يقيم وزنا للعقل ولا يرفع رأسا بكرامة الإنسان ولا يولي اهتماما للمواهب البشرية بل يبددها في مقتل!! هو الذي يصول ويجول الآن.
انه تدين يستحضر الماضي ورسمه والتاريخ وتفاصيله الفرعية ويسكن عندها مما يضطره للانفصال عن الواقع والركون للوهم المريح بحجة السير وفق تعاليم السماء حذو القذة بالقذة !!؟
انه تدين مشوه ومبتلى بعاهة النزول بالدين حد الخرافة وبالعقل إلى السخافة كما يقول الفيلسوف التونسي أبي يعرب المرزوقي ؟؟
تدين يقيم الدنيا ولا يقعدها على أغنية صاخبة ولكنه لا يهتم بشأن الناس العام وإن ماتوا بالجوع أو أنهكهم العوز أو بلغ الجهل منهم مبلغه هو فقط يهتم بتشييد المعبد لكي يشتكي فيه الفقراء والجوعى والجهال فقرهم وجهلهم لله تعالى!!
يعتقد صاحبه أنه بمجرد شد الرحال نحو المشاعر الحرام والصلاة أمام المقام وأخذ صورة سيلفي مع الكعبة ستغفر جميع خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر ليس هذا فحسب بل سيعود من هناك بجبال تهامة حسنات !!؟
يتسابقون للصلاة التراويح ويتباهون بذلك ولكن لا يسألون أنفسهم ما جدوى صلاة لا تنه عن الفحشاء والمنكر !؟ ولا تمنع صاحبها عن انتهاك حرمة الإنسان ولا عن اختلاس المال العام ولا عن تزوير إرادة الشعوب !؟
هذا التدين كارثة على الأديان والبشرية على حد سواء، ولا أعتقد أن الله أرسل الرسل وأنزل الكتب وأقام سوق الجنة والنار لكي يعتنق الناس أديانا تناصب العلم العداء وتكره العمران وتجافي الذوق السليم ولا تساهم في بناء الحضارة ولا تهتم بإسعاد الخلق.. وان كنت يا هذا لبيبا فافهم !؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock