تدوينات تونسية

سيدي الرئيس (خالد العياري) : كل عام وصحتك بخير!!

القاضي أحمد الرحموني
رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء
أكاد أجزم أن الحديث الذي أدلى به القاضي خالد العياري في يوم تقاعده لاذاعة موزاييك اف.ام (30-11-2016) يمثل لا فقط حدثا غير معهود من شخصية قضائية كبيرة بل يعتبر في مسار القضاء التونسي مناسبة غير مسبوقة على الاطلاق.
وحتى يمكن لنا أن نصدق ذلك يجب ان نعلم ان القاضي خالد العياري كان يتولى إلى حد التاريخ المذكور ثلاثة من الخطط السامية في الدولة التي لم تجتمع -في أي وقت- بيد واحدة وهي الرئيس الأول لمحكمة التعقيب ورئيس الهيئة الوقتية للقضاء العدلي ورئيس الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين.
ولذلك كان يبدو -وكذلك ظهر لي- ان تدخل وزير العدل (وهو بالمناسبة قاض سابق تولى رئاسة المحكمة الإدارية) في مكالمة خارجية ليقطع الحديث -بحدة لافتة- على السيد خالد العياري يتجاوز بكل المقاييس حدود التصور ولا يشبه بأي وجه السلوك المسؤول لأحد ممثلي الدولة.
وبقطع النظر عن مضمون ما صرح به الرئيس الأول لمحكمة التعقيب فإن فداحة الردود المتشنجة التي وردت على لسان الوزير تكاد لا تخفي طبيعة علاقاته الشخصية والوظيفية مع سامي القضاة (وأحد الرموز القضائية) فضلا عن التهاون المقصود في تعامل السياسيين -خطابا وممارسة- مع أعضاء الهيئات القضائية.
وبمعزل عن تلك الاعتبارات فإن إبراز المواجهة العلنية -من جانب أحد الوزراء- إزاء أحد المسؤولين الكبار في الدولة (إن لم يكن من بين الأكثر نفوذا) يطرح بصفة جدية -على مرأى ومسمع من الناس- أزمة العلاقة بين سلطات الدولة نفسها ومسؤولية السلطة التنفيذية على مراعاة نظام الدولة وهيبتها.
فهل يعقل أن يقف وزير العدل -مهما كانت المبررات- ليتوجه -في موقف “سريالي”- الى ارفع المسؤولين القضائيين في الدولة قائلا في تعليق على حديثه “أمور افلام – غير مسؤول – خرافات – تصفية حسابات – حوارات فارغة -الخ…” اضافة الى تكذيبه بصفة مباشرة !؟
فهل كان قول القاضي أن “وزير العدل أعلمه بأنّه تم العدول عن التمديد له لأنّ جهة كبيرة في البلاد تدخلت ضد هذا التمديد” يستحق كل هذا الهجوم !؟
ألم يكن بوسع الوزير أن يؤجل جوابه ؟ -وان كان لابد- الم يكن بوسعه ان يترفق في خطابه!؟ خصوصا وقد لاحظنا محافظة القاضي على هدوئه !
ورغم اني اعتقد انه كان على رئيسنا خالد العياري ان يرفض التمديد حتى وان عرض عليه وأن لا يثق في وعد (نكثت فيه الحكومة) فاني ارى ان السلطة -في مسألة التمديد بالذات- لا يمكن تصديقها !! ولعل رئيسنا اكثر من يعلم بخبرته الطويلة “أن كل سلطة هي مؤامرة دائمة”!! (بلزاك).
ومهما كان وقبل أن يغادر ارجو ان لا يكون رئيسنا في ضيق ان لم تحسن السلطة تكريمه وهو في حد ذاته شرف له!!. وكل عام وصحته بخير.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock