تدوينات تونسية

شدّوا ألسنتكم وأقلامكم فالأمر جلل

محمد يوسف

يستسهل البعض الخوض والتعليق على تداعيات ما يحصل في فعاليات العدالة الانتقالية، إن هذا المقام له آدابه وقدسيته، ولا يحتمل اللغو سواء تعاطفا او معارضة، ان المعنيين مباشرة بالموضوع يعدون بعشرات الآلاف سواء من الضحايا وعائلاتهم وذويهم ومن يقتسمون معهم المرجعية الفكرية والسياسية، أو من الجلادين وهم موظفوا دولة لهم زملائهم وعائلاتهم وذويهم، ومن هو ضمن منظومة الدولة الحزب الذي حكم البلاد اكثر من نصف قرن فهم كذلك بالملايين، هذا فضلا عن عامة المواطنين،

إن حساسية الموقف لا تحتمل اللغو والجدل بقدر ما تحتمل الاستيعاب من اجل التجاوز باخف الاضرار للجميع، ولا يتسنى ذلك إلا باحترام هذا المسار خاصة في رمزيته. للأسف، نجد عددا ممن يحترفون السب والشتم وعادة ما يكون هؤلاء من السطحيين الذين يبحثون عن التموقع، فهم لا يدركون ذواتهم إلا من خلال ان يقحموا أنفسهم كطرف في المعارك السياسية والفكرية، ولكنهم لا يخوضون هذه المعارك إلا بدفع البغض والكراهية، هؤلاء يقابلهم شق آخر يعتبرون أنفسهم موكلون للدفاع عمن يتعاطفون معهم،

ومن هنا، نجد أنفسنا في غابة قبيحة لا تنبت الا السباب والشتيمة، لا تنبت الا الشوك، في وقت نحن نبحث فيه عن امل، وفي ذلك شروع في العنف الذي يكبر ككرة الثلج، ان هذا المناخ الموبوء بالسطحية والعربدة قد يقود الى الهاوية، اتركوا اصحاب الشأن يصرفوا اوجاعهم، ليعبروا إلى طي الصفحة، إلى حد الآن لم نسمع ردودا من المتهمين بالتعذيب أو حتى من الجهات الرسمية في الداخلية، السجون، بينما يتسابق الغوغاء في اشعال فتيل الفتنة وكأنهم يستبطنون ان طي الصفحة لن يكون إلا بحسم هو من جنس تلك الحقبة السوداء التي نريد طيها، الا يعلم هؤلاء انه يوجد ألغام خطيرة لا يدركونها، وسأسوق لذلك مؤشرين فقط.

داخل منظومة الضحايا هناك جروح وأصوات تكتم بسبب استمرار المظالم وعدم اعتراف الطبقة السياسية بمظلوميتهم، فهم يرون جلاد الأمس قد استعاد جبروته خاصة في بعده الرمزي من خلال إعلاميين وسياسيين يدفعون للاستئصال ويمعنون في تجريم ضحايا الامس، ومن جهة أخرى ليس بخاف رفض عدد من قواعد النهضة خيار قيادتها التوافقي، ومنهم من لن يستوعب استقبال الغنوشي لعبد الله القلال…الخ

في الشق المقابل نجد أصواتا عديدة ترى في تغول الاسلاميين وسعيهم الى السيطرة على مفاصل المجتمع إيذانا بمستقبل اسود، وهم لا يرومون توافقا مغشوشا مع من يعتبرونهم أعداء الحرية والحداثة، وهؤلاء يدفعون الى التوتر والأزمة استدراجا لقدوم منقذ على الطريقة المصرية، تصريحا لا تلميحا، ويقدرون ان القوى الدولية مهيأة لدعم هذا المسار،

وبهذا الشكل لا يدرك “النبارة” من الطرفين انهم يصبون الزيت على النار، في ظل وضع اجتماعي سياسي هش، وإذا اشتعل الحريق فلن ينجو أحد سواء كان ظالما أو مظلوما أو حتى مجرد متفرج،

رفقا بنا، دعوا الجراح تندمل.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock