تدوينات تونسية

الفلسفة تتنفس تحت التراب…

بلغيث عون
في اليوم العالمي للفلسفة، كم أود أن أجد الوقت لشرح الأفكار التالية في مقال معمق:
– الوضع العام للفلسفة رديء للغاية، القيمة الإجتماعية والسياسية لها (الفيلسوف آخر من يرفع صوتا في خضم الحياة العامة) تماما كما الوزن التربوي لها (تراجع شديد لنسب الطلبة في مادة الفلسفة ولجاذبية المضمون المعرفي لها بالنسبة لتلميذ/طالب اليوم).
– الماسكون بزمام الإصلاح يعترفون على استحياء بهذا الوضع (في كل مرة هناك مزيج عجيب من وصف الوضع المزري للفلسفة ومن المديح التقليدي لها ولدورها) ولا يمتلكون أي بديل (حضرت ندوة منذ سنتين في كلية الآداب بالقيروان حول إصلاح الفلسفة كانت النتيجة هزيلة للغاية وصادمة للطلبة وخاصة المتخرجين الواقفين على أبواب مستقبل مجهول).
– المشكل في علل مختصرة برأيي: شحنة الإيديولوجيا الزائدة التي دمرت الوجه العلمي للفلسفة والمنطقي وحولتها إلى “دوغمائية جديدة” من جهة المضمون وممارسة “لغوانية” من جهة المنهج؛ العجز المعرفي عن إخراج مبسط للفلسفة (محور “اليومي” أساء للفلسفة أكثر مما أحسن إليها) – كثيرون يتصورون الغموض خاصية جوهرية للفلسفة ويتعمدونه؛ فائض المصالح (مواقع نفوذ، عائدات مادية..) الذي يمنع الإصلاح من خارج المنظومة البائدة وأعوانها ككل مشكل المنظومة التربوية.
– هذا التراجع للفلسفة جزء من تراجع كوني لها (الفلسفة هكذا شأنها في أوروبا في مراكزها التقليدية التي ننهل منها). المشكل الأثقل إذن هو للأسف التبعية: تتقدم الفلسفة لدينا حينما تتقدم في فرنسا وألمانيا وتسقط لدينا حينما تسقط لديهم.
– السقوط الكوني للفلسفة معلومة علته: الفلسفة تفكير غير إعتيادي (موضوعه غير السطحي – ليكن هو العميق وهو المارواء أيا كان تعريفه؛ مفاهيمها غير المصطلحات المباشرة واليومية؛ إنجازاتها غير الإنجازات الوضعية، إنجازات رمزية وروحية مثلا…). الفلسفة المعاصرة أعلنت بوضوح أنها ضد العمق وضد الماوراء وضد مغامرة الروحي وحتى الرمزي إلا في معنى ضيق. من الطبيعي هاهنا إذن أن تسقط الفلسفة.
– ماهذا الذي ندرسه إذن؟ ألسنا بعد في الرمزي وبصدد الصياغة العميقة للعالم في الفلسفة؟ أليس للفلسفة بعد طعمها ولونها؟ كلا. فالفلسفة تبحث اليوم عن هويتها في عالم وضعي معاد، وهي تبحث عن العمق في عالم سطحي وعن الرمزي في محيط محتشد بالأشياء الثقيلة على الوعي وعن الروحانية بين الأجساد الميتة. لذلك – الأطروحة التي أدافع عنها آسفا:
الفلسفة تتنفس تحت التراب (كان عبد الحليم أفضل حالا منها: يتنفس تحت الماء)…
إصلاح الفلسفة سياسيا وتربويا يعني باختصار: عودة الحياة للمفهومي، الروحي، الرمزي، اللاوضعي، غير المباشر، اللامرئي… لحظيرة الإهتمام الإنساني وإلا فعلى الفلسفة السلام إلا على هيئة توهم وحلم…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock