تدوينات تونسية

دائما عن الأطباء في داخل البلاد

كمال الشارني

حدثني صديق أثق به أن طبيبا مختصا (طب أطفال)، أصيل جهة المتلوي “ألح” إصرارا طيلة عامين لإلحاقه بمستشفى المدينة، وكانت له طموحات طبية كثيرة لأصله وأهله في ظل افتقاد طبيب أطفال في الجهة،

وزيرة الصحة تحتفل اليوم بـ”نهاية الحصار الصحي على معتمدية المتلوي” وتحريرها بالكامل وذلك بإعلان “إعادة فتح قسم طب الأطفال بعد 4 سنوات من الغلق مع الانتداب الفوري لطبيب أطفال من أبناء الجهة.”

يعني معتمدية بحجم وتاريخ المتلوي، تحتاج إلى وزيرة صحة لفتح قسم طب الأطفال بعد 4 سنوات من المنع، يعني قبل أن تصبح هي وزيرة، ألم يكن هناك مسؤولون جهويون ؟ ألم يكن هناك مسؤولون في الوزارة يفكرون في أطفال المتلوي وغيرها ؟

بالمناسبة، مدينة قفصة كانت أجمل بزيارة الوزيرة، أما عن المتلوي فحدث ولا حرج، أنا لو كنت مكان طبيب الأطفال الذي عينوه بعد أربعة أعوام من غلق القسم، بالله العظيم لما ذهبت إلى المتلوي إلا بعد أن تفسر الوزيرة وفريقها أسباب رفض مطلبه طيلة عامين أمام أهالي الجهة، وأن يعاقب من يجب أن يعاقب في ذلك، وإلا لا معنى لهذه المزية التي تنتظر موكب الوزيرة،

لكي يرى وجوه أحفاده على الأقل: حكاية الأطباء لن تنتهي،
كتب لي صديق من مدينة مدنين مازحا: “هنيئا لنا بالأطباء الصينيين، فهم لا يعرفون أحدا من أصحاب المخابر والمصحات الخاصة في الجهة”، وأضاف بعد ذلك: “هم يخافون من بعضهم ومن سفارتهم، فما بالك بأخذ الرشوة ؟” وانتهى حديثنا الساخر بأن كل ما يحلم به هو أن تتولى سفارة الصين الشقيقة تغييرهم كل نصف عام حتى لا يتأثروا بأخلاق التونسيين، وحتى لا يكتسبوا أية علاقات مع أصحاب المصحات الخاصة، وأن تحميهم من أي انتقام محتمل ممن فقدوا سبالة الفلوس في الصحة العمومية،

ذكرني هذا بطبيبة في مستشفى عمومي منذ أعوام طلبت من أبي 200 دينار رشوة (عمره 80 عاما وله تقاعد وضمان صحي) مقابل إدراجه في قائمة علاج العينين وتمكينه من نظارة لكي يرى وجوه أحفاده على الأقل، قالت إن أقصى ما يمكن أن تفعله لأجله هو تقسيط المبلغ على مرتين (ليس أقل من ذلك)، ولن تأمر بتسليم النظارة إلا عند خلاص الرشوة كاملة (لموا الفلوس في عقلكم مانيش مزروبة، قالت لنا، بلا نقاش)، أما أنا فقد سبقت الخير، وافترضت أن أبي لم يفهم كلامها فقررت أن أقابلها، لكنها كررت لي نفس الشروط، وتحدتني وقتها: “بره قول للصحافة تعطي لبوك مرايات”، حسبت الحكاية من كل جهاتها مثل أن أفاوض معها حول المبلغ، يعني أن يكون 100 دينار فقط “كاش”، لكنها رفضت موضحة أنها لا تقبل الصكوك أيضا ولا أي شكل من أشكال التحويلات المالية، قالت إن لها أشياء أخرى أهم من ذلك النقاش، وكانت أحسن الاحتمالات أن أنجو بعيني أبي إلى طبيب خاص. وقد رويت الحكاية إلى صديق عزيز مناضل حقيقي من الزمن الذهبي، فقال لي معزيا: “لوح عليك يا راجل، ثمة من مات هنا، لإنه لا يملك ثمن العملية في المصحة الخاصة بعلم طبيب الصحة العمومية”،

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock