تدوينات تونسية

حاشية على كلام السلاّمي متاع “قاع الخابية”…

عايدة بن كريّم
البارح وضعت تدوينة (تصها أدناه) على هامش تصريح النائب منصف السلامي قال فيها ما معناه أنّ صفاقس جنة على وجه الأرض وأنّ البطالة أسبابها النزوح.
الظاهر أنّ هذه التدوينة أغضبت بعض الأصدقاء أكثر ممّا أغضبهم كلام النائب، أو لنقل أزعجهم كلامي ولم يعجبهم التوصيف الذي قدّمته لعلاقة اللوبي الصفاقسي من رجال مال وأعمال بـ”الآخر” الذي سمّاه السلاّمي بـ”النزوح”.
__________

ما أردت ان أشير إليه من خلال التدوينة أنّ تصريحات “السلامي” ليست زلّة لسان ولا قلّة خبرة ولا عدم قدرة على التحكّم في اللغة وليست استثناء ولا قناعة شخصية للسيد النائب. ولكنها تعكس عقلية وثقافة لدى الصفاقسي “البلدي” الذي ينظر إلى “الآخر” الصفاقسي “الآفاقي” أو التونسي إلّي جاي من جهة أخرى بقلة احترام وازدراء. لأنه لا يقبل أن ينافسه “الآخر” في سوق السلع المادية ولا الرمزية حتى لا يشاركه في الميزة الأساسية للصفاقسي وهي “النجاح” والصفة الرئيسية “الصفاقسية خدّامة”.

“السلاّمي” لم ينسب مظاهر الفوضى والفقر في صفاقس إلى منوال التنمية الذي حرم جهة صفاقس من موارد التنمية ولا إلى تهميش بورقيبة لجهة صفاقس مما جعلها تُعاني من بنية تحتية مهترئة ولا إلى عقلية رؤوس الأموال الصفاقسية التي تفضّل الإستثمار في العاصمة حتى تبقى صفاقس محافظة على النمط الإقتصادي-الأجتماعي “التقليدي”. ولكنه نسبها إلى ظاهرة النزوح.

__________

ما أردت أن أشير إليه من خلال تلك التدوينة أنّ في كلّ جهة أو منطقة هناك لوبي أو هناك فئة اجتماعية أو قبيلة أو لحمة داخل القبيلة تصنع “القيم” وتحدّد “المعايير” وتحوّلها إلى قوانين وحقائق.

في جميع المجتمعات الإنسانية توجد جماعة مُهَيْمنة وجماعة مهيمن عليها وتوجد “أنماط” عيش وتفكير نستبطنها ونتجسّدها وتتحوّل إلى “قوانين اجتماعية” ندافع عنها حتى وإن كانت تُكرّس اللاّعدالة.

__________

في تدوينة البارحة عاينت “المُهيمن عليهم” يدافعون على شرعية “الهيمنة”.

حذفت التدوينة لأنّ بعضهم قال انّني أحرّض على “الفتنة”.

تدوينة البارحة

في تسعينات القرن الماضي كان في صفاقس واحد اسمه خميسة أحد أبناء بئر علي من ولاية صفاقس… أهانوه “الصفاقسية” (في صفاقس المجتمع مشطور إلى صفاقسية وعرب) وما حبوش يعطوه بنتهم لأنه عربي (برّاني بلغة مهذّبة)… أقسم أن يهاجر وما يرجع كان في طائرة خاصة ويهبط بها في بئر علي… وفعلا مشى خميسة إلى ألمانيا ورجع بعد سنوات بثروة طائلة كوّنها بفضل زوجته الألمانية وهبط في بئر علي على متن طائرة خاصة… وأسس سلسلة معامل “خمَيْسة” للنسيج والخياطة في إطار قانون 1972 وبنى نزل في بئر علي وفيه بيسين… لكن الصفاقسية وخاصة لوبي حسن معلّى متاع (le progrès) ما عجبهمش الأمر وحاصروه وما خلّوهش يتنفّس وما سمحوش لبناتهم وأولادهم يخدموا في معامل خميسة وكانت “mot d’ordre” “لا للتعامل مع القعبوط” وربما بعض الأصدقاء يتذكروا تلك المقالات التي نشرها عبد العزيز بن عبد الله في إحدى الصحف حول “امبراطورية القعبوط” وردّ عليه خميسة بمقال “القعبوط يردّ على مقال امبراطورية القعبوط”… وكانت العركة حامية خاصة وأنّ المنصف خماخم متاع CIS صهر حسن معلى رجع بدوره من بلجيكا وأسس سلسلة معامل خياطة الملابس الداخلية وهما تقريبا من نفس الجيل.

وأقسم خميسة بأن ينزع من “الصفاقسية” أموالهم عن طريق “كروشهم” وعمل أوّل سلسلة “بيتزا” في صفاقس ودخل الأكلة الخفيفة والشوارما والكسكروت إلى المجتمع الصفاقسي “المحافظ”…

لكن في الأخير استسلم خميسة (غلبوه) ونقل مشاريعه إلى العاصمة وأصبح ممثل ماركة (Guy la roche) في شمال إفريقيا. وعنده بعض المصانع في جهة باردو.

الخلاصة:

السلاّمي ومعلّى والكرّاي وبوزقندة والقلاّل… لوبي صفاقسي مهيمن على رأس مال رمزي توارثته أجيال… ومن يدخل السوق الصفاقسية (ليس فقط سوق السلع المادية وإنما حتى سوق السلع الرمزية) دون أخذ الإذن منهم يزعجهم لأنه يزاحمهم في مشروعية التعالي والهيمنة: “النجاح”. ولذا هم يحاربونه بجميع الأسلحة.

لكن اليوم أمام انفتاح السوق وتغير أنماط العيش وبفضل الـ “ASCENCEUR” إلّي طلّع عائلات وهبّط عائلات لم يبق من هذا رأس المال إلاّ عقول متكلّسة معشّش بداخلها الخنفوس وصورة “ولد العربية” إلّي ما ينجّمش يكون طبيب ولا محامي ولا صاحب مؤسّسة ناجح ومستحيل يكون نائب بالبرلمان أو وزير ناجح… ولد العربية ما ينجّم يكون كان بطّال… والبطّال وما ينجّم يكون كان ولد العربية.

__________

السلاّمي ضاع له رأس المال وبقي له “الخنفوس” المعشّش في المخيّخ.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock