مقالات

أهل السنة في العراق… الجرح النازف…

إحسان الفقيه

ذكر ابن أبي الدنيا في كتابه “الاعتبار”، أن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله أتى “هند بنت النعمان بن المنذر”، فقال: أتيتكِ لتخبرينا عن مُلْكك ومُلكِ أهل بيتك.
قالت: لقد رأيتنا ونحن من أعز الناس وأشده ملكا، ثم ما غابت الشمس حتى رأيتنا من أذل الناس، وإني أخبرك أنه حق على الله لا يملأ دارًا حبرة، إلا ملأها عَبْرة.
لكل شيء إذا ما تم نقصانُ فلا يغرنّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأمور كما شاهدتها دولٌ من سره زمنٌ ساءته أزمانُ

صدقت أبا البقاء الرندي، فلكل شيء إذا ما تم نقصان، وإن رثيت بها الأندلس يومًا، فنرثي بها اليوم عراقنا، بغداد الرشيد، فما أعظم ما انتُقِص من عزّها ومجد أهلها.
وليت شعري من يرثي أهلنا من السنّة في العراق، والذين يئنّون بين تخاذل القريب ومكر البعيد، بين عجز الصديق وجلَد العدو.
• حدِّثنا أيها التاريخ عن اليوم الذي دخل فيه الإسلام إلى العراق بالمنهج الحق القويم، وتحققت بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بدخول المسلمين قصر كسرى الأبيض.
يوم أن وقف سعد بن أبي وقاص بجيشه على ضفة “دجلة”، وأدهش التاريخ عندما عبر وجنوده النهر بالخيول، في حدث جلل أثبته المؤرخون العظام منهم ابن كثير في البداية والنهاية.
ويوم أن تولى سلمان الفارسي الولاية في المدائن حَكَما عدلًا يسير فيها بسيرة نبيه صلى الله عليه وسلم.
• وحدِّثنا عن بغداد في عهد الرشيد، والذي كان يحج عاما ويغزو عامًا، وكان نقش خاتمه “بالله ثقتي”، حدّثنا عنه وهو مستلقٍ على ظهره في حديقة قصره يعبّر عن اتساع رقعة العالم الإسلامي بقوله: أمطري حيث شئت، فسوف يأتيني خراجك”.
• وحدِّثنا يوم أن حاول المغرضون هدم العقيدة الإسلامية فانبرى لها الرشيد برجاله المخلصين لحماية جناب العقيدة، فيوما ما أخذ الرشيد زنديقا ليضرب عنقه، فقال الزنديق: فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله، كلها ما فيها حرف نطق به رسول الله.
فقال الرشيد: “فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري ،وعبد الله بن المبارك ينخلانها فيخرجانها حرفا حرفا”.
• حدِّثنا ولا تملّ الحديث ولن نمل السماع..
أيها التاريخ حدث عن رجـالٍ عن زمانٍ لم تمت فيه الضمائر.
وعن تبدّل الأحوال، يقول ابن خلدون في تاريخه: “ومن الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدّل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدل الأعصار ومرور الأيام، وهو داء دويّ شديد الخفاء إذ لا يقع إلا بعد أحقاب متطاولة فلا يكاد يتفطّن له إلا الآحاد من أهل الخليقة.
وذلك أن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونِحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال.
وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول سنة الله التي قد خلت في عباده”.
• ولكن لماذا تَنَكّب العزّ والمجد عن أهل العراق؟
سيجيبك التاريخ والواقع والمشهد: بتسلّط الروافض على أهل السنة.
سمّوني طائفية متطرّفة، فأنا أنتصر لطائفتي المظلومة المُضطهدة في العراق، والتي سُلبت مجدها بيد الصفويين وأذنابهم.
القاصي والداني يشهد أن العراق لم يُظلم فيها الشيعة وغيرهم من الطوائف تحت حكم أهل السنة، بل الحقد كل الحقد كان ينبعث من صدور (أحفاد ابن سبأ) تجاه أهل السنة.
• سلوا عن ذلك الرحالة الإنجليزي جيمس سلك بكنغهام والذي قدم إلى العراق في أوائل القرن التاسع عشر، يحكي عن مشاهداته فيقول: “سكان البصرة أغلبهم من أهل السنة، وهم متسامحون مع من يخالفهم، والشيعة في البصرة يقدّرون بالربع، وهم يكرهون أهل السنة”.
فمن أكل من طبق الآخر ومن أطفأ النار ومن سرق الحطب ومن جفف النبع؟
• وكما اجتاح المغول بغداد قديما بخيانة محمد بن العلقمي الوزير الرافضي، اجتاح مغول العصر (الأمريكان) بغداد الرشيد بخيانة شيعة العراق، والذين كانوا يحلمون دائما بإقامة دولة لهم، وارتضوا لأنفسهم أن يكونوا جزءًا من المشروع الفارسي الإيراني.
وفي سبيل القضاء على نظام صدام والإطاحة به، سهّلوا للأمريكان دخول العراق، ولن ننسى ولن ينسى التاريخ، أن مرجعياتهم في العراق كانوا يفتون بحرمة الجهاد ضد الغزاة الأمريكان، ويدُلّون على المقاومة ويتصدّون لها بدلا من دفع المحتل.
• وصدق والله ابن تيمية إذ قال في كتابه “منهاج السنة النبوية”: إذا صار لليهود دولة بالعراق وغيره تكون الرافضة من أعظم أعوانهم فهم دائما يوالون الكفار من المشركين واليهود والنصارى ويعاونونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم”.
وماذا بعد أن دمر الأمريكان العراق؟
وماذا بعد أن سلموها لحكومة شيعية طائفية؟
هل حافظت تلك الحكومة الجديدة على مكوّنات الشعب العراقي وعِرقياته وعراقيّته؟
لم يحكم الساسة من الشيعة شعب العراق من منطلق عراقيّتهم كحال أهل السنة طيلة قرون، وإنما حكموها من منطلق طائفي شيعي، مدفوعين بموروث من الكراهية ساد في الأوساط الشيعية عبر التاريخ تجاه أهل السنة من لدن عبد الله بن سبأ اليهودي وحتى اليوم.
لذلك كانت الطامة الكبرى التي أتت على العراق، استحواذ الروافض على السلطات الأمنية والتنفيذية والتشريعية، ومن المعلوم أن هؤلاء الساسة لا يتخذون قراراتهم إلا بعد الرجوع إلى مرجعياتهم الدينية.
• لقد أراد الاحتلال الأمريكي بمعاونة شيعة العراق وتسهيلات الساسة الإيرانيين، أن يخلطوا الأوراق أيام الغزو الامريكي للعراق، فادعى هذا الحلف الشيطاني أن الأقلية تحكم الأغلبية، وأن الجيوش الأمريكية قد دخلت العراق لتحرير الأغلبية (الشيعية بزعمهم) من حكم الأقلية السنية (بزعمهم) مُمثلا بنظام صدام.
• ومن خلال الاحتلال وآثاره، بحث الشيعة عن ثمن يفوق استحقاقاتهم في شتى مناحي الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو ما جاهدوا للحصول عليه عبر الترويج لأغلبيتهم الساحقة، للسيطرة على العراق.
وكانت من أكبر الضربات التي وُجّهت لأهل السنة في العراق، وإضعاف استحقاقاتهم، اعتماد التقسيم الثلاثي للتلاعب بالتركيبة السكانية.
فاعتماد تقسيم التركيبة السكانية في العراق إلى (شيعة وسنة وأكراد) كان فيه إجحاف وإهدار للنسبة السكانية لأهل السنة في العراق، لإعطاء من لا يستحق أكثر مما يستحق، وذلك لأن الأكراد منهم حوالي 95% من السنة، ففيها تبديد مُتعمد للنسبة السنية في العراق.
جاء في كتاب “العرب السنة في العراق… تاريخهم. واقعهم. مستقبلهم”، لمجموعة من المؤلفين: “الاحتلال الذي بغطرسته وفوضاه الذي يسميها الخلاقة أضعف الهوية العراقية، والمكونات الأخرى التي تلاعبت بالحقائق التاريخية تحت ظل الرماح الأمريكية والإيرانية ومليشياتها، اعتمد هؤلاء جميعا تقسيما ثلاثيا (العرب السنة-الشيعة- الأكراد) وهو ما يضعف مفهوم واستحقاق السنة أمام الشيعة، لأن 95% من الأكراد هم سنة، كما تم التلاعب بالنسب السكانية والإفراط المتعمد والمقصود في عمليات الإبادة وكذلك عملية التجنيس”.
• إن الحكومة الطائفية التي صيّرت البلاد ولاية إيرانية، وفتحت أبوابها لدخول ما يزيد عن مليون إيراني منذ 2003م، بحجة أنهم هُجّروا عام 1981م من قبل النظام العراقي، قد مارست أبشع الانتهاكات ضد أهل السنة.
فمن أجل إخماد صوت السنة وإقصائهم، تواطأت الحكومة مع الملشيات الشيعية، والتي دأبت على تصفية رموز أهل السنة وتهجير السكان وبث الرعب في مناطقهم لإجبارهم على الرحيل.
وسلوا عن ميلشيات البطاط.
سلوا أصغر مواطن عراقي سيخبركم عن فيلق بدر، وعصائب أهل الحق، وجيش المختار، ولواء أبو الفضل العباس، وغيرهم، كلها ميلشيات شيعية مسلحة تتلقى الدعم من إيران.
هي ذاتها الميلشيات التي تتخذ من الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية ستار دخان، لتغطية جرائمها بحق أهل السنة، وظهرت للعلن بعد ما كانت تختفي خلف الأجهزة الأمنية والقوات العسكرية، وتقوم الآن بعمليات تطهير عرقي وإبادة جماعية للسنة في العراق:
اغتصاب للحرائر.
هدم وإحراق المساجد السنية.
عمليات خطف للمساومة.
عمليات اغتيالات بالجملة.
عمليات سرقة ونهب.
عمليات تهجير قسري.
كل ذلك وأكثر تمارسه الميليشيات الرافضية، تحت سمع وبصر الحكومة، بل بدعم منها، تحت مسمى قوات الحشد الشعبي التي تتألف من الميلشيات الشيعية.
• وكان القيادي في التحالف الكردستاني شوان محمد طه، قد أكد لصحيفة العربي الجديد في بداية هذا الشهر، أن حكومة العبادي تسعى لبناء جيش عقائدي طائفي من خلال الحشد الشعبي، ووفرت له دعما وترويجا إعلاميا كبيرا، مؤكدا أنها ليست لها نية صادقة في بناء جيش وطني عراقي.
• إن أهل السنة في العراق يعانون من عمليات تهجير منظمة ممنهجة، تُنفذ بصفة مستمرة منذ جرى التخطيط لها منذ 2003م.
لقد وصف الباحث والصحافي العراقي مصطفى كامل، تهجير السنة في العراق، بأنه انتقام يجري في أماكن لها أهميتها في سياق الصراع العربي الفارسي سواء قبل الإسلام أو بعده.
وهو ما يتناغم مع الخبر الذي نشرته صحيفة الشرق الأوسط في أحد أعدادها في مايو 2007 عن بعض الأهالي من بلدة المدائن العراقية قولهم، إن الهجمات التي استهدفتهم من قبل الميليشيات الطائفية المسلحة العميلة لإيران، كان هدفها إخلاء المنطقة من سكانها أهل السنة، ليتاح للإيرانيين الاستيلاء على المدائن وإعادة ترميم إيوان كسرى باعتباره صرحا فارسيا يذكرهم بأمجادهم التاريخية”.
• وأما عن السجن والاعتقال فحدث ولا حرج، فسجون العراق قد اكتظت بأهل السنة، وفي تقرير لمكتب حقوق الإنسان في حركة تحرير الجنوب منذ سنتين وليس الآن، كشف أن عدد المُعتقلين في السجون العراقية إجمالا 31310، منهم 28909 من أهل السنة، وأقول منذ سنتين، والأعداد قطعا تتضاعف مع الأحداث الساخنة الراهنة.
• وأما المعتقلون في مراكز التحقيق، فقد وصل عددهم بحسب التقرير ذاته، إلى 4257 معتقلا من أهل السنة، من إجمالي 4257 معتقلا.
أهل السنة في العراق، يئنّون في ظل سياسات التهميش والإقصاء التي تمارسها الحكومة الطائفية ضدهم، وأما من يطالب بحقوقه من أهل السنة، ففي انتظاره الفقرة الرابعة من الدستور العراقي، التي هي سيف مُسلّط على رقابهم.
• وعذرا، أهلنا في العراق، عذرا إخواننا من أهل السنة المضطهدين والمقهورين..
عذرا لأن الطائرات تقلع من مرابضها في بلادي وتقصف أرضكم، وهو ما لا أرضاه، وتكلمت فيه مرارا وتكرارا، بأن التعامل مع المُخطئين في بلادي من ابناء أٌمّتي لا يسيغ إعلان حرب عليها تحت راية أعدائنا، وإنما هو شأننا الداخلي الذي ينبغي أن تُحل فيه المشاكل بالحكمة والحنكة والسياسة والتقارب.
• وعذرا إن كان بينكم أحزاب وجماعات تنتسب لأهل السنة، بينما هي خنجر يطعن خاصرة السنة.
وعذرا لأننا لم نقدم شيئًا لكم الا هذا.. وإلى الله المشتكى.


الكاتبة الاردنية احسان الفقيه
نُشر أول مرة في موقع شؤون خليجية بتاريخ 2015-05-18

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock