تدوينات تونسية

حقا… هل هناك “سياسة” ؟

عندما نتأمل المشهد السياسي الحالي لا نكاد نعثر على “السياسة” الا نادرا… السياسة بالمعنى “الاصطلاحي المعاصر” للكلمة هي :

الجُملة السياسية المكونة لمفردات مشروع قابل للفهم والتفاعل معه معارضة أو تبنيا…

وهي “القدوة” أو “الزعامة” المعبئة حول ذلك المشروع…

و هي الحامل التنظيمي لذلك المشروع أي “الحزب”.

السياسة في تونس والعالم العربي حاليا هي صراع “القوى” فقط عبر وسائل عنيفة (الحرب) أو هادئة (المعارك الانتخابية على السلطة) عبر الأدوات العنيفة أو الناعمة (السلاح.. المال.. الدعاية.. الغرائز الدينية والمذهبية والطائفية.. “التكمبين”.. التسويات والمقايضات) ولا يبدو الجمهور معنيا بالانخراط “الروحي” و”الرمزي” في “خيارات القوى السياسية” الا بقدر ما يتم إكراهه أو إغراؤه بالوسائل أعلاه لأنه لا يرى اصلا مشاريع يتعبأ حولها طوعيا كما كان في مراحل “التحرير الوطني” أو “بناء دولة الاستقلال” أو كما حدث ذلك منذ عقد ونيف في دول أمريكا اللاتينية أو شرق آسيا التي أنجزت مشاريع انتقالها المعاصر بزعامات ومشاريع وأحزاب كبرى.

نحدد حسب مفردات علمي السياسة والاجتماع السياسي أسباب هذا الوضع في :

أولا انهيار الطبقة الوسطى باعتبار أن “السياسة” هي “مشروع” أو “ايديولوجيا الطبقات الوسطى” تماما مثلما أن “الحاجة الى الفلسفة هي حاجة الرغبات المشبعة”… ومن هنا أصبحت السياسة “شغل اللوبيات” (أثرياء الطبقة العليا المصنوعة طفيليا) عبر “تعبئة” “البروليتاريا الرثة” حول مشاريع “تحيل” تمتلك قدرات مالية ودعائية دون حاجة الى مشاريع “شاملة” ترقى الى مستوى “العقائد المعبئة على أهداف وطنية مشتركة” وهو ما سماه الفيلسوف “آلان دونو” بحكم الرثاثة (ميديوكراسي).

ثانيا ضمور السيادة الوطنية في عصور العولمة وبروز سياسة “تصنيع” رموز ومشاريع وأحداث وأحزاب وقرارات الدول المولى عليها بما في ذلك تصنيع الصراعات وانتاج “صناع الرأي” و”قادة الرأي” والاعلام والسياسة اعتمادا على برامج “التنمية السياسية” التي تقررها مراكز الدراسات الاستراتيجية وصناديق النفوذ السياسي العالمي للقوى الدولية المختلفة تحت عناوين “التكوين” (الديفورماسيون كما يسميها خطأ بعض الجاهلين باللغة ولكنه تعبير حقيقي على الفورماسيون) و”التنمية البشرية” ونقل “خبرات الانتقال الديمقراطي” مما يحول الساحة السياسية الى صراع “تكنوقراط مهرة” أذكياء يحسنون خوض العمليات الانتخابية والانتصار على الخصم بقطع النظر عن المشروع الذي يتشابه عادة لدى جميع المتنافسين باعتباره قد تم توريده معلبا للتنافس حول “تطبيقه” بين “الخريجين المحليين” (سياسيو البلاد) لمدارس “التكوين الدولي”.

ونضيف سببا ثالثا خاصا بنا في تونس وهو قتل السياسة على امتداد عقدين انهار معها النشاط والتنظير والتحليل السياسي…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock