تدوينات تونسية

جمنة وسناريوات الحل : الراديكالي/التوافقي

ماتزال “المسألة الجمنية” تتقاذفها المواقف المتقابلة والمتهمة بعضها بعضا باستقواء كل منها بالأدوات التي يتصرف فيها والأوراق التي يمكنها تحريكها بعضها على ارض العاصمة التونسية وهي ورقة انفاذ القانون وحراسة هيبة الدولة والتلويح بالخطر الداهم على وحدة الدولة من حيث قطرها ومواردها، وبعضها على أرض جمنة وبالتالي قبلي وما شابهها من الأراضي والإشكالات المماثلة وهي ورقة التحرك الشعبي والتلويح بمعادلة المصلحة المحلية المناقضة للمصلحة العامة للدولة.

لقد شهدت “المسألة الجمنية” تراكمات وتقلبات وتوترات في العلاقة بين المطلب الأهلي والمطلب الأداري حيث يظهر مكشوفا هذا التباين بين المحلي والوطني والأهلي والنظامي بل بلغت درجة من التقابل حتي قال بعضهم بالتضاد والتنتافي.

لقد أظهر الأهالي في جمنة خلال الأيام الأولى للثورة درجة عالية من الإنضباط والمسؤولية حيث لم يقع الإعتداء المباشر على المستثمرين ولم يقع لا حرق ولا نهب الضيعات الا بعض الحالات النادرة المعزولة التي ليست مؤطرة أو حدثت قبل التأطير حين كانت عملية الإجتياح للضيعات تلقائية. كما والحق يقال أن المستثمرين لم يقاوموا الأهالي وإتجهوا إلى القضاء وهي درجة تشكر للطرفين حيث لم تتحول الحالة الى وضع تناحري عروشي.

اليوم وأمام هذا التمترس لكل طرف الأدارة (هنا أقول الإدارة ولا أقول الدولة أو الحكومة لتباين المواقف داخل هذه البنية بين متمسك بتطبيق القانون وبين الداعي الى المرونة في تطبيقه وبين الداعين الى منح الأهالي ما يطلبون. إلا ان الإختصار على مصطلح الإدارة هو عملية فرز حقيقية بين مكونات الدولة وتشكلات الحكومة) إذن هذا التمترس للإدارة وراء القانون والأهالي وراء الحق الطبيعي والمعطى النضالي دفع بالمحيطين بـ”المسألة الجمنية” إلى الإنقسام إلى أكثر من فريق أو فريقين أو ثلاثة… بل إن الإنقسامات كانت على عدد الحلول المقترحة وأكثر على عدد الحلول الممكنة.

ولكن يمكن التطرق في هذا المستوى إلى كتلتين من الحلول وهي كتلة أولى فيها أكثر من فريق وهي الحلول الراديكالية وكتلة ثانية نطلق عليها الحلول التوفقية.
1. الحلول الراديكالية
أ‌. الحل الراديكالي الإداري: هذا الحل هو الحل المتمترس وراءه الإداريون التكنوقراط وسيلتهم الترسانة القانونية الإستعمارية وخلال دولة إستقلال والتراكم الوظيفي منذ الإستيلاء الفرنسي على الأرض المقام عليها الضيعة والتوسعات فيها فيما بعد والحل هذا يستدعي كل الويلات التي يمكن أن تحصل لو وقع التفريط للأهالي وكل الخيرات التي ستدر في حال الإسترجاع وهو حل يقول به الإداريون الذين يتكلمون بحكم وظائفهم حيث يعد الكلام المعاكس لهذا والذي يمكن ان يقوله أحد الموظفين يعد خطأ إداريا فادحا يمكن المحاسبة عليه وتحميل مسؤولية الإهمال للقائل به.
وساند هذا الحل الحزب الأغلبي في الإنتخابات التشريعية 2014 في بيان مؤرخ في 11 أكتوبر 2016 لكتلته النيابية العالية السقف في الدفاع على ما أسموه الملك العمومي.
ب‌. الحل الراديكالي الأهلي: هذا الحل الذي يتمترس وراءه الأهالي ووسيلتهم الإنجازات التي قامت بها جمعيتهم ومساهماتها في الدور التنموي المحلي المشهود به من الجميع في تقارير متواترة وفواتير مثبتة ومنشآت قائمة والأهم والأساس الدفاعي الأصلي هو الحق التاريخي والمظلومية التي وقعت على الأجداد وهم يستدعون الشرف التاريخي والملكية القديمة للأرض حسب التقسيمات القبلية والمشيخية وهي تسمى لديهم بـ”أرض الجمنين” بحدودها المعترف بها بين العروش المتملكة لأراضي نفزاوة جميعها (يمكن إفراد هذا الموضوع بتحاليل ذات تشعبات خطيرة) ولذلك فامكانية التضامن بين عروش المنطقة يجعل الحل الإداري صعبا ومكلفا زمنا واستقرارا ومادة وتاريخا. كما أن القائمين على الجمعية المسيرة للضيعة منذ الثورة يدفعون عن أنفسهم كل تهم الإدارة والخصوم بالتلميح بالتساؤل مرة وبالتصريح بالإتهام السياسي والفئوي والحزبي الى درجة الأخلاقي والقدح في الذمة ولقد ساند هذا الحل عموم المعارضة ماعدي كتلة الحرة التي سارت سيرة حزب نداء تونس لأسباب إنتخابية سابقة أو جهوية لعدم إمتلاك تمثيلية نيابية لها في هذه الدائرة حيث لا خوف على القاعدة الإنتخابية إن وجدت.
2. الحلول التوافقية
هذه الحلول وإن تعددت سيناريوهاتها وصياغاتها ما يغلب عليها أن الحل يقوم على أساس الحوارية بين الحلين أعلاه والمراهنه على الخروج بالصبغة التعادلية لا غالب ولا مغلوب وهذه الصيغ.
الصيغة المثالية أن أحد أطراف النزاع (الإدارة أو الأهالي) يتنازل بمبادرة من جهة منفردة وهو حل مستبعد فلا أهل السياسة يتحملون عواقبه السياسية قبل الإدارية ولا الأهالي قادرون على هذه العودة للقبول بوضع ما قبل الثورة.
إذن الحل الذي لا مهرب منه هو أحد حلين يمكن ان تتعدد الصيغ فيهما ولكن الهيكلة هي التالية.
1. تخلي الإدارة وتخلي الأهالي عن طريق وساطات بين السلطة التنفيذية والجمعية هدفها الوصول إلى إنشاء تعاضدية أو أي شكل من أشكال العمل الجمعي… ديوان… تعاونية… تعاضدية… شركة محاصة… وهنا تتخلى الدولة والاهالي الى طرف ثالث ينظرون خلال المفاوضات في شكله.
2. إسناد الضيعتين الى المجلس الجهوي بالإشتراك مع بلدية جمنة التي يبقى لها حق التصرف في جزء من ريع الهنشير لإنفاقه على التنمية المحلية كحق أصلي للجمنيين.
لا بد من سلَّم لهذه الشجرة.
أخيرا لن يعجر المبتكرون في فنون السلمية والإعتراف بالحقوق.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock