تدوينات تونسية

الحُطَيْئَةُ، وأنْفُ النَّاقَة، والإعلامُ ؟

“أَطْعِمْ الفَم،. يَسْتَحِي القلَم”
ما الداعي لحَشْر المرحوم “الحُطَيْئَة “الشاعر، و”بني انف الناقة” في موضوع الإعلام ؟؟

المرحوم “الحطيئة”. كان عبارة عن إحدى فضائيات العصر الحديث، المشاغبة والخطيرة والمؤثرة في الرأي العام، ولْنَقُلْ مثلاً، الجزيرة.. أو CNN أيام حرب الخليج.

(عام 1968 قطعتُ مسافة 14 كم، ذهابا وإيابا، وهي المسافة بين قريتي والمدينة، مشيًا على الأقدام لشراء ديوان “الحطيئة”.. ليس حُبًّا في الحطيئة، ولكن في الشعر، ولأنه كان من الأسماء المدرجة في دراستنا).

من يذكره “الحطيئة ُ” بخير ويمدحه بشعر، يعلو قدرُه ويشرق نجمُه، ومن يهجوه “الحُطيئة”، ينتكس قدره وينطفئ ضوءه.

يكفى رشوتُه بعِدْلٍ من التمر، أو إعطائه بعيريْن، أو حتى قِرْبَة من لبَن… لتكون القصيدة جاهزةً تُرصّف فيها الألقاب الفضفاضة، والخصال المقتبسة والمروءة الكاذبة، ويجد الممدوح نفسه حديثَ الناس وشاغلا للرأي العام، ومذكورا بما لا يعرفه عن نفسه. ومُستقطبًا من كل الفضائيات وبارزا في كل البلاتوات الحوارية.

تمامًا مثلما كانت تُحْشَى تلك الظروف البريدية الرئاسية أيام الكرم النوفمبري ببضعة مئات الملايين ويكتب عليها اسم الحطيئة 1، والحطيئة 2.. من صحافييّ التسوّل، لتجد من الغد المانشات العريضة في جرائدهم، ومجلاتهم، ونشرات أخبارهم، وبلاتوات حواراتهم، تسمّي الخائن، أمينا والعميل وطنيا، والوطني، خائنا، والكاذب صادقا و الصادق كذابا، وتغدق على “عزيز السابع” الألقاب الفرعونية وتتحدث عن المعجزة النوفمبرية، وعن النموذج التونسي في كل شيء، إلا في الفساد والاستبداد، وتدعو العالم إلى التتلمذ على يد “العزيز” الذي لم تَجُدْ السياسة بمثله.

تمامًا مثل ما فعل الحطيئة مع “بني أنف الناقة” الذين كانوا يُعَيَّرون بجَدّهم الذي لم يكن نصيبه ذات يوم من قسمة لَحْمٍ، إلا رأس جَزور، سحبَهُ بإصبعه من أنفه، فعُيِّرَ به، وأصبح سُبّةً تلاحقهم.

فلجَئُوا إلى الإعلاميّ والشاعر “الحُطيئة”، وطلبوا منه أن يقول فيهم أبياتا من الشعر ترفع من شانهم وتمحو عنهم العار والسبّة التي لحقتهم فقال مغرّدا في تدوينة له :

سيري “أُمامَةُ”، انّ الأكثرين حصَى والأكرمين إذا ما يُنسبون أبَا
قومٌ، هم الأنفُ والأذنابُ غيْرُهُمُ ومن يسوِّي بأنف الناقة الذنَبَا ؟؟

ومن بعد هذه الأبيات أصبح لهذه القبيلة شأن آخر، حتى قيل أن رجلا منهم كان لديه أربع بنات، تقدم لخطبتهن في يوم واحد، أربع شباب من قبائل أخرى.

لقد أعزّهم “الحطيئة” ورفع قدرهم بكلام عاقر، قدّم فيه الأنف على الذَّنَب، مقابل ضيافة مضيّقة خُتِمَت بمنحه عِدْلاً من التمْر، وقربةً من لبن.. لأن الظروف البريدية، لم تخلق بعد.. وإلا كانوا وضعوا في يده ظرفيْن أو ثلاثة محشوة ببضعة ملايين.. “وأطعم الفم. يستحي القلم”.

فان قيل لك أن الحطيئة قد مات.. فلا تصدق.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock