تدوينات تونسية

أعظم ثورة

سليم بن حميدان
.
أعظم ثورة في تاريخ الانسانية هي، بنظري طبعا، الثورة المحمدية لأنها نجحت في تقويض أركان نظام الحكم المحلي والاقليمي والدولي الفاسد، في ظروف قاهرة ووقت قياسي بمعايير التغيير الحضاري الشامل، وانتصرت لمشروع الانسان الجديد الذي ولد من رحم الاضطهاد والعبودية والقهر والاذلال وجعلته نموذجا فريدا يُعاد استدعاؤه، اليوم وغدًا، في أزمنة الحداثة ونهاية التاريخ وما بعدهما.
هذه الثورة المركبة من جدل الغيب والطبيعة والانسان ليست مشروعا تاريخيا ولّى وانتهى بل هي هدي دائم لا تنقطع تجلياته واشراقاته واشاراته لكل من آمن بجوهر الفكرة الذي هو تحقيق انسانية الانسان وتحريرهما من كل أشكال الاستبداد والفساد والاستعباد.
تمعنت فيها كثيرا وقرأت تاريخها وتقصيت أحداثها طلباً لسرّ النجاح الفريد فوقفت على عوامل ثلاثة هما عندي درس وهدي لكل الثورات :
.
1. أما العامل الأول فهو أصالة الفكرة والعمق الانساني للمشروع فيما هو تماهٍ مع فطرة الخير المتأصلة في البشر حتى وان كان ثلثاه مركبا من (شر) على قول أحد اللغويين !
فقد بشرت الثورة المحمدية بفكرة التوحيد كفكرة ثورية رافضة لكل القوانين والأعراف والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية السائدة ومؤسسة لنقيضها بل مجسدة له في نماذج حية ومتحركة شكلت صحيفة المدينة (أول دستور مكتوب في العالم) وميثاق المؤاخاة بين المهاجرين والانصار أرقى تجلياتها… فكانت الفكرة اذن ملاذ المستضعفين وقبلة الشرفاء الأحرار من نبلاء مكة ويثرب وهو ما أعطاها الزخم الجماهيري المطلوب في كل ثورة تحصنها عقيدة جذابة ويحميها بأس شديد.
.
2. أما العامل الثاني فهو قوة الشوكة ببناء القدرة على الردع المادي (المال وأصحاب الأعمال) والرمزي (الشعراء وأصحاب الجاه).
لقد كانت خديجة بنت خويلد أكبر صاحبة أعمال في قريش وكان أبوبكر ابن أبي قحافة وعثمان بن عفان وعبد الرحمان بن عوف من كبار تجارها وأثريائها الذين حموا الثورة ومنعوا إجهاضها وليدة في مهدها ثم جهزوا لها جيشها الذي قاد عديد الحروب الدفاعية منها والهجومية… كما كان الوحي الإلاهي معززا بالشاعر حسان بن ثابت جدار الصد الرمزي للافك الجاهلي.
.
3. أما العامل الثالث فيتمثل في العمق الاستراتيجي أي السند الخارجي للثورة عبر عقد المفاوضات والمعاهدات والأحلاف على أساس تبادل المنافع المادية والرمزية مع عديد القوى الاقليمية (الأوس والخزرج) والدولية (الحبشة) الى درجة الاحتماء السياسي والعسكري.
.
يبدو أن قوى الثورة في تونس لم تستلهم من النموذج النبوي الميتا-تاريخي سوى العامل الأول أي التبشير بالمنظومة القيمية الجديدة وتحفيز الجماهير لها أما بقية العوامل (المادية والاستراتيجية) فقد تركتها لقوى الثورة المضادة تصول فيها وتجول بكل حرية ودون رقيب أو حسيب فتستجلب المليارات الإماراتية وتودع فواضلها في بنوك التبييض البنمية وتعقد التحالفات مع مراكز الاعلام والقرار للقوى الامبريالية والصهيونية الداعمة للانقلابات العسكرية على الديمقراطية والارادة الشعبية !
#الفساد_هو_الإرهاب

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock