تدوينات تونسية

أسواق المال والإقتصاد الحقيقي

شكري الجلاصي
.
في بداية الثمانينات كانت قيمة المعاملات المالية العالمية تساوي قيمة المعاملات التجارية، كانت هناك علاقة واضحة ومباشرة بين سوق المال وتبادل السلع والخدمات،
اليوم أصبح سوق المال ومعاملاته تمثل قرابة مائة مرة حجم الإقتصاد الحقيقي ويرجع ذلك أساسا إلى طفرة مذهلة في سوق المشتقات المالية les produits dérivés (عملية مضاربة أو رهان مستقبلية على أصول أساسية، وهي أحد أسباب الأزمة المالية العالمية لسنة 2007 والتي لم تنتهي بعد آثارها)،
.
كسر تلك العلاقة بين المجالين المالي والإقتصاد الحقيقي ولّد إختلالات عالمية كبيرة خاصة في العقد الأخير رافقه إنفجار الدين العام والخاص نتيجة الوتيرة القصوى لنمو أسواق المال وتعدّد أدواته “الجهنمية” بتطويع التكنولوجيات الحديثة وتطبيقات المعلوماتية وصيغ الرياضيات ممّا جعل أسواق المال تنعزل على الإقتصاد الحقيقي في ما يشبه قاعات الكازينو المنتشرة في العواصم الكبرى، يمكن إختزالها في شبكة عنكبوتية لحواسيب، إستقطبت إستثمارات المؤسسات المالية التي تكاثرت كالفقاقيع لهثا وراء الربح الذي يسيل اللعاب، متخلية على دورها الطبيعي في دعم الإستثمار في الإقتصاد الحقيقي.
.
الحيرة اليوم هي في كيفية التعامل مع هذا “الغول” الإفتراضي المسمى سوق المال لأنّ حجم الرهان بلغ أقصاه والمؤسسات المالية يمكن تشبيهها كمن ينفخ في بالونة يعرف أنّ حجمها وصل أقصاها ومواصلة النفخ ستؤدي إلى الإنفجار… خاصة في ظلّ هذا الركود الإقتصادي العالمي.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock