تدوينات تونسية

صاحب العمامة والصورة المفقودة

عبد القادر الونيسي

انظر في صور الزعماء التاريخيين لاتحاد الشغل فلا أرى صورة المؤسس الأول والأب الروحي (انظر وثيقة تأسيس الاتحاد 20 جانفي 1946).

أهو الجحود أم الحقد الأيديولوجي أم عقدة قتل الأب كما يسميها فرويد.

في الأربعينات من القرن الماضي كان ينظر (ضم الياء) إلى العمل النقابي بعين الريبة لارتباطه في ذلك الحين بالحزب الشيوعي الفرنسي وممثله في تونس.

حتى أن الزعيم النقابي محمد علي الحامي عندما أسس أول نقابة تونسية لاحقته دعاوي الإلحاد رغم تدينه وهو الذي اختار أن يعتكف في مكة في اخر حياته.

في هذا الجو المشحون وضع العلامة الفاضل بن عاشور شرعيته العلمية والأدبية ومكانته الاجتماعية على المحك واختار أن يكون أول رئيس لاتحاد الشغل.

لا شك أن البورجوازية التي ينتمي إليها لم تكن راضية فضلا عن فرنسا وجزء من العلماء الذين يرون في الاختلاط بالعوام مذهب للهيبة والوقار.

الشريك الثاني في التأسيس الزعيم فرحات حشاد وهو زيتوني قديم كان في حاجة لشرعية دينية حتى لا يتهم بالكفر كسابقه كما كان يخشى سطوة “البلدية” وهو القادم من الأفاق.

غامر الشيخ الفاضل بتاريخه وتاريخ أسرته وأعطى لفرحات الشرعية المنشودة التي لولاها لما رأى الاتحاد النور.

للأمانة والتاريخ الذكاء الفطري لحشاد وعلو همته ودرايته بالعمل النقابي وقد خبره طوال سنين في النقابات الفرنسية أعطى للأتحاد بعدا وطنيا جعل عموم الطبقات الشعبية تتلقفه وتقبل عليه وتنخرط فيه بل أصبح شكلا من أشكال النضال ضد المحتل.

للأمانة كذلك انخراط العلامة الفاضل بن عاشور في الدفاع عن العمال لم يكن وليد صدفة بل سبقه تنظير شرعي وفكري لسنوات في مسألة العدالة الاجتماعية وحقوق العمال وقد سار في هذا على منحى أبيه العلامة الطاهر بن عاشور.

هذا الالتقاء بين الرجلين وهما علامتان فارقتان في تاريخنا أعطى لتونس إحدى مفاخرها التاريخية.

السؤال لماذا تسلط القيادات المتعاقبة على الاتحاد الضوء على أحدهما وتغيب صورة صاحب العمامة وهو صاحب الفضل الأكبر ؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock